ثبات شعيب في مواجهة قومه
(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) إننا لا نجد في ملّتكم أساسا من الحقّ ، سواء في عبادتكم للأصنام ، أو في صدّكم عن سبيل الله ، أو في إظهاركم الفساد في الأرض ، أو في انحرافكم عن العدل في علاقاتكم ومعاملاتكم ... وقد نجانا الله منها بما هدانا لدينه ، وبما عرّفنا من ضلال ما خالفه ومن خالفه ؛ فكيف نرجع إلى خط الضلال ، وهل هذا إلا الافتراء على الله بالكذب ؛ بأن ننسب إليه ما تنسبونه إليه من شركاء دون علم ولا هدى ولا كتاب مبين. (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) وكيف يعود إلى الظلام من عاش إشراقة النور في قلبه وفي وجدانه؟! إننا لن نعود مهما كانت الضغوط والتحديات ، ومهما كانت الأوضاع السلبية المحيطة بنا. (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن نعود فيها ولن يشاء الله لنا ذلك ، لأنه لا يمكن أن يأمر عباده بالضلال إذا كانت المشيئة بالاختيار ، ولا يجبرهم عليه ، إذا كانت المشيئة بالقهر ، ولكنه أسلوب التأدّب مع الله بإظهار الاستسلام له والخضوع لمشيئته.
(وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) فهو يعلم سرّنا وعلانيتنا ، وإخلاصنا له ، وجهدنا في سبيله ، كما يعلم طغيانكم وتمرّدكم وظلمكم لنا ... (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) فهو مصدر القوّة ، ومنه قوة كل شيء ، ولا يملك معه أحد أي شيء من القوّة. ونحن نتوكل عليه ونلجأ إلى حصنه ، ليحمينا منكم ومن كل قوّة غاشمة ظالمة.
وتابعوا مسيرتهم بكل قوّة وإيمان ، وشعروا في الطريق ـ وهم يعلنون التوكل على الله الذي وسع كل شيء علما ـ بالخشوع يهيمن على مشاعرهم ، ويفيض على أرواحهم ، فتوجّهوا إليه في أجواء روحانية ، تفصلهم عن قومهم ، وعن كل هذه الأحاديث الاستعراضية التي سمعوها منهم في ابتهال وإيمان