ولهم نقاط قوة لا يحركونها في حياتهم العملية ، مما يترك تأثيره على أقوالهم وأفعالهم ، فينحرفون عن الخط المستقيم ، فهؤلاء لم يتحركوا في خط الانحراف من أجل سلطانه عليهم ، بل من جهة أنهم أهملوا سلطان إنسانيتهم على حركتهم ، واستضعفوا أنفسهم ، وخضعوا لاستكباره في أجواء الغفلة ، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
وهكذا كان هذا التكبّر الشيطاني على الله بالتمرد على أوامره ونواهيه ، عبر التكبر على آدم بامتناعه من السجود له ، سببا لكل هذه العدوانية على آدم وذريته ، وكل هذه العقدة الحاقدة في شخصيته.
* * *
لا سبيل للشيطان إلى إرادة الإنسان
ولم تكن مشكلة البشر من خلال وجوده واستمراره وقدرته على الوسوسة والإثارة والتزيين والخداع ، ممّا يقلب فيه المقاييس ويغير الصورة ويثير الأجواء القلقة في الإدراك الإنساني ، بل المشكلة لديهم من خلال إهمالهم لقدراتهم الفكرية والعقلية وأصالتهم الإنسانية ، وقاعدتهم الإيمانية ، وإرادتهم القوية ، لأن الشيطان لا يملك أن يشلّ إرادة الإنسان ، وأن يعطّل قدرته فالإنسان الذي خلقه الله ضعيفا لا يعيش الضعف قضاء محتوما ، وقدرا حاسما ، بل يملك أن يحوّل الضعف إلى قوة ببركة الوسائل المادية والغيبية التي حرّكها الله في حياته ، فإذا أهمل ذلك ، فقد اختار لنفسه الهلاك بإرادته واختياره ، لا بسبب ضغط الشيطان عليه ، وهذا هو الذي عبّرت عنه الآية الكريمة في قوله تعالى : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي