لوط في مواجهة شذوذ قومه الجنسي
وهذا نبيّ آخر من الأنبياء «المحليين» ، أرسله الله من خلال إبراهيم عليهالسلام ـ في ما يستفاد من بعض آيات القرآن ـ وذلك من أجل هدايتهم إلى الله ، في خط الإيمان بشكل عام ، مع التأكيد على محاربة الفاحشة ، المتمثلة بالشذوذ الجنسي المذكّر المعبر عنه باللواط نسبة إلى قوم لوط ، إذ كانوا على ما يبدو أوّل ناس مارسوا هذا العمل الشاذ. وعاش هذا النبي معهم مدّة من الزمن ، يدعوهم إلى الله وإلى الابتعاد عن هذه الممارسات القبيحة ... فلم يستجيبوا له ، بل كانوا يواجهونه بالتحدي ، استضعافا لموقفه ؛ حتى أنزل الله عليهم العذاب في الدنيا ، وأنجى لوطا ومن معه ، ما عدا امرأته.
(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) فقد بدأ تاريخ هذا الشذوذ بهم. والاستفهام هنا للإنكار في مقام الردع. (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) فتنحرفون بذلك عن العلاقة الجنسية الطبيعية ما بين الرجال والنساء ، وهي الوضع الطبيعي الذي تؤدي فيه الغريزة الجنسية دورها في عملية التناسل وحفظ النوع من جهة ، وتلتحم ضمنه الجوانب الروحية الإنسانية بالجوانب المادية في نفس عملية الممارسة من جهة أخرى ؛ بينما يضرب الشذوذ وظيفة الغريزة الجنسية الأساس ، ويمثل ، بالإضافة إلى ذلك ، حالة مرضيّة يقوم فيها الذكر بدور الأنثى نتيجة عقدة نفسية وانحراف مرضي .. (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) فقد تجاوزتم الحدود الطبيعية للعلاقات الإنسانية ، وانحرفتم عن الخطّ السليم ، ولكن قومه كانوا قد أدمنوا هذه العادة ، وأصبحت طابعا مميزا لحياتهم. وربما انطلق هذا الإسراف في أكثر من جانب من جوانب حياتهم ، كنتيجة طبيعية لعدم التزامهم بالخط الرسالي الذي تمثله رسالة لوط. (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ