إمكانات القوة ومواطن النعمة ، فيربطها بالله ، المصدر الأساس للقوة والنعمة ، ليدفعه ذلك إلى الشعور بالمسؤولية أمامه ، في ما يستخدم فيه القوة ، أو يستعمل فيه النعمة ... وذلك هو مفهوم الشكر العملي ، الذي يريد الله من الإنسان أن يجعله الطابع العام لحركة حياته ، والسمة البارزة لشخصيته ؛ وذلك بأن يحوّل كل ما أعطاه الله إلى السبيل الذي يتحرك فيه أمر الله ونهيه ، لأنه لا يملك ذلك كله ، فلا حريّة له أن يتصرف فيه تبعا لمزاجه وهواه ، بل يعتبر ذلك منه تمرّدا على الله ، ومضادّا لحالة الشكر له ... ولن يتحقق ذلك إلا بالوعي الدائم لارتباط الوجود الإنساني في عناصره وخصائصه بالله ، والابتعاد عن الانغلاق الفكري والروحي داخل الذات ، الذي يوحي إليه بالإمكانات الذاتية التي يستمدها من وجوده بعيدا عن الله.
* * *
شكر الله يجب أن يلازم الإنسان
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ) في ما أودعه من عناصر القوة في الإنسان ، وما سخره له من مخلوقاته ، (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) في ما تأكلون وتشربون وتلبسون وتستمتعون ... لتشكروا الله على ذلك ، وتنطلقوا به في طريق طاعته. (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) ، وتلك هي النتيجة الطبيعية للغفلة عن معنى الحياة المسؤولة في صلتها بالله ، لأن قضية الشكر هي قضية وعي وانفتاح وإيمان ، لتعرف أن الله لم يخلقك عبثا ، ولم يخلق الحياة بدون هدف ، ولم يترك الإنسان بدون نظام ... فمع كل مخلوق فكرة ، ومع كل حياة هدف ، وأمام كل إنسان مسئولية ، فللقوّة مسئوليتها في تحمل عبء الحياة ، وللنعمة مسئوليتها في تنمية طاقات الحياة ـ حياتك وحياة الآخرين ـ فلا مجال للسلبيّة أو الأنانية ... وهذا ما يدفعنا إلى أن نفكر دائما بالله في كل إحساس بالقوة ، وفي كل مظهر للنعمة ، لنشكر الله على ذلك ، ولنجعل من الشكر سبيلا من