كتابكم من علم الطب شيء ، والعلم علمان : علم الأديان وعلم الأبدان! فقال له علي : قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه ، وهو قوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) وجمع نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم الطب في قوله : المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء ، وأعط كل بدن ما عوّدته ، فقال الطبيب : ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبّا» (١).
* * *
الزهد في كلمتين
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) في ما يستمتع به الناس من ألوان الزينة التي لا تسيء إلى طبيعة الاعتدال لدى الإنسان ... (وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) في ما يستلّذونه ويشتهونه مما يؤكل ويشرب. وينطلق التساؤل هنا في معرض الإنكار على هؤلاء الذين أرادوا للإنسان أن يترك زينة الحياة وطيّباتها تحت تأثير الفكرة التي ترفض الإقبال على الماديات من الأطعمة والأشربة وغيرها ، على أساس الفهم الخاطئ لمعنى الزهد دينيا ، فهو الذي يتمثل لديهم في السلوك السلبي للإنسان ضد الطيّبات من الرزق ، والتزين في اللباس ، وذلك لأن الزهد لا ينطلق من هذا المعنى ، بل من الحالة النفسية التي تحسّ بالاكتفاء ، وتشعر بالحرية أمام كل حالات الإلحاح الذاتي على ممارسة الإنسان لمطامعه وشهواته ، كما ورد في كلمة الإمام علي عليهالسلام : الزهد كله بين كلمتين من القرآن ، قال الله سبحانه : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) (٢) [الحديد : ٢٣].
وقد جاء بإسناده عن ابن القداح الكافي ، قال : «كان أبو عبد الله ، جعفر
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٤ ، ص : ٦٣٨.
(٢) نهج البلاغة ، قصار الحكم / ٤٣٩ ، ص : ٤١٦.