كلمة في التقوى
لقد عبّر الله عن التقوى أنها «لباس» ، (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف: ٢٦] ، لأن هذا المفهوم القرآني لا يمثّل حالة نفسية في حالة الخوف الذي يصيب الإنسان مما يخافه ويحذره ، بل هو حالة عقلية وشعورية وحركية تشمل الكيان الإنساني بكله في مواجهته لكل الأشياء المؤذية المضرّة له في مواقع مصيره في الدنيا والآخرة ، ليخطط بفكره ، ولينفتح بإحساسه ، وليتحرك بوسائله الجسدية وغيرها ، من أجل حماية نفسه من ذلك ، تماما كما هي مسألة حماية الحياة مما يضرّها أو يقضي عليها.
وهذا هو الذي تحدّث عنه علماء اللغة ، فقد جاء في مفردات الراغب قال : «التقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف ، هذا تحقيقه ، ثم يسمّى الخوف تارة تقوى ، والتقوى خوفا ، حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه ، والمقتضي بمقتضاه ، وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم ، وذلك بترك المحظور» (١).
وعلى ضوء هذا ، فإن التقوى تمثل فعلا إنسانيا في حماية الخط الإيماني من عوامل الانحراف ، ووقاية المصير من أسباب الهلاك ، وبذلك فإن التقوى تمثل حماية الإنسان نفسه من غضب الله بالابتعاد عن مواقع سخطه وبالانفتاح على مواقع رضاه ، لأن الإيمان بالله في مقام ربوبيته وآفاق عظمته وموارد نعمته ، تفرض عليه الإحساس بمسؤوليته عن الأخذ بطاعة ربه والبعد عن معصيته ، والقيام بحق الله في ما ينبغي له من ذلك ، كما جاء في قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) بحيث يعيش الإنسان حقيقة التقوى في خطوطها الفكرية
__________________
(١) مفردات الراغب ، ص : ٥٦٨.