الفراغ ، أو فقّاعة تنتفخ ثم تنفجر لتتحول إلى لا شيء ، ولكنها البداية التي تعتبر النقطة الأولى في حركة المسؤولية التي تنطلق وتتوهّج لتنتظر نتائجها ، بعد هدأة قصيرة تغفو فيها الحياة على ذراع الموت ، لتعود من جديد في مواجهة النتائج بين يدي الله ... فلا تعتبروا الموت نهاية الحياة ، بل انتظروا ـ من خلاله ـ رحلة العودة إلى الحياة من جديد ، في أجواء متنوعة الألوان والأشكال والآفاق ، تبعا لتنوع الأفكار والمواقف والأعمال ... إنها اللمحة الموحية التي تريد للإنسان أن لا يستسلم للخدر الذي توحي به الغفلة المطبقة على فكره وشعوره ، لتبعده عن التفكير الواعي في ما يجب أن يواجهه في مستقبله الأخروي من نتائج المسؤولية في إيجابياتها وسلبياتها ، على أساس حركة الحياة في هذا الاتجاه المسؤول ، في انفتاح رحلة البداية على رحلة العودة. (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) ، فكيف تتصرفون في ذلك؟ (فَرِيقاً هَدى) في ما أعطاه الله من وسائل الهداية من عقل ووحي وإرادة ، وحسّ يتصل بالعالم من خلاله ، ليستمدّ من ذلك المواد الخام للمعرفة ... فاستفاد منها في تعميق إيمانه بالله ، وهدايته لدينه ، وتلك هي الأسباب الطبيعية التي جعلها الله سبحانه أساسا لهداية الإنسان على طريق الاختيار ، (وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) أي ثبت عليهم هذا الخط وتأكّد في ما اختاروه لأنفسهم من وسائل تبعدهم عن أجواء الهدى ، وتقربهم من أجواء الضلال. فان الإنسان إذا انطلق في هذا الاتجاه كانت الضلالة أمرا طبيعيا في حياته. (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ) فساروا معهم في ما شقوه لهم من طريق ، وانجذبوا إليهم في ما زينوه لهم من أعمال ، وانتصروا بهم في ما واجهوه من مواقف ... وخرجوا من ولاية الله ، وتحركوا بعيدا عن طاعته ومنهجه في الحياة ، فضلّوا وضاعوا في متاهات الطريق. (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) ، لأنهم لم يتعرفوا الخط الفاصل بين الهدى والضلال ، ليحدّدوا لأنفسهم الهوية الحقيقيّة للمسار وللمصير.
* * *