في أجواء السورة
لعل الميزة الغالبة لهذه السورة ولأمثالها من السور المكية ، أنها تتناول شؤون العقيدة وأصولها ، من توحيد الله في الفكر والتشريع والعبادة ، وشؤون الرسالة والرسول ، في حركة الحياة معهما في ساحة الصراع الفكري والعملي ... وفي منطلقات الجهاد ، وحديث القيامة في أجواء الوقوف بين يدي الله في عالم الثواب والعقاب ، لأن هذه القضايا هي التي تمثّل الأسس الفكرية العقيدية التي يرتكز عليها الإسلام في عقيدته من حيث ذاته ، وتنطلق منها الشخصية الإسلامية للإنسان المسلم في بنيانه الفكري والروحي ... وكل ما عداها فهو فروع وهوامش.
ولا بد لنا ـ في هذا المجال ـ من الإشارة إلى أن هذه السورة وأمثالها لا تتحدث عن هذه الأصول العقيدية بالطريقة التقليديّة التي تطرح الفكرة ثم تواجهها بشكل مباشر من خلال الأدلة والبراهين العلميّة ، ولكنها تطرح الفكرة وتثير حولها جوا متحركا ، من خلال الأجواء المحيطة بالإنسان في حياته الذاتية والعامة ، بحيث يشعر ـ معها ـ بأن الفكرة مطروحة في ساحة حياته ، قبل أن تطرح في ساحة فكره. فإذا تحدث القرآن عن الله وعن توحيده ،