فإنه يبدأ الحديث عن الإنسان ، وعن خلقه ، وعن النعم التي يحيطه الله بها ، وعن كل ما حوله من مفردات حياته وحياة الآخرين ، حتى ليحسّ الإنسان بأن الله موجود في كل ما يحيط به ، وفي كل ما يعيش معه ، وذلك هو الأسلوب القرآني الذي يريد للإنسان أن يحس فيه بالله من خلال وجدانه وإحساسه بحركة الفطرة في داخله ، قبل أن يحس به من خلال تفكيره ضمن نطاق المعادلات الفكرية. وليس معنى ذلك أن يغفل دور الفكر في هذا المجال ، بل كل ما هناك أنه يثير حركة الفكر بطريقة وجدانية مميّزة.
وهكذا نجده في حديثه عن الرسالات والرسل ، فإنه يدخل الإنسان في أجواء التاريخ المتحرك ، فيعيش تاريخ الرسالات ، وحديث التحديات والأفكار المضادّة المطروحة في الساحة التي انطلق بها جنود الرسالات ، مما يوحي بالفكرة من خلال التجربة الحية ، لا من خلال الفكر التأمّلي التجريديّ الغارق في الخيال. فأنت عند ما تواجه الرسالات في القرآن ، فإنك تلتقي بنوح ويونس وموسى وعيسى وإبراهيم ولوط وشعيب ... وهم يدعون إلى الله ، ويحملون أثقال المسؤولية ، وأعباء الصراع ، وقوة التحدي ، وعمق التجربة ، وامتداد الصبر ، وحركة الإنسان في الرسالة ، وضراوة الألم في خط المواجهة ، وقساوة الظلم وشراسته ، وغباء الكفر وسذاجته في شخصية الكافرين ، ووعي الإيمان ، وروحية الرسالة ، وروعة الصدق ، وطهارة الروح في شخصية الرسول ... وتتمثل أمامك الساحة ، بكل أوضاعها السلبية والإيجابية ، حتى كأنك تنظر إليها على الطبيعة ، فتلتقي بالحياة المتحركة التي تقدم لك الفكرة بكل وضوح.
أما حديث الآخرة والقيامة والجنة والنار ... فإنه ينقلك إلى المشاهد الحيّة التي تضجّ بالحركة ، وتنطلق بالإيحاء ، وتنفتح على المسؤولية في الحياة ، من خلال انفتاحها على موقف الإنسان من الله وأمامه ... وبذلك تجد الحياة أمامك في قبضة العبث واللامعنى إذا ابتعدت عن المسؤولية في نتائجها