[الأنبياء : ٢١] أما غير المتقين ، فقد أغلقت قلوبهم عن الوعي والشعور والإحساس (لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها).
* * *
سمات المتقين
وينطلق القرآن ، في اتجاه الحديث عن ملامح المتّقين في حركة الالتزام العمليّ ، فهم لا يطوفون مع الشيطان إذا طاف بهم ، بل يبتعدون عنه ليتذكّروا ربهم ومصيرهم (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف : ٢٠١] ، فيبصرون بالعيون الروحية المفتوحة النور النازل عليهم من وحي الله.
وهم الذين يعيشون العطاء كقيمة ممتدة في جوانب حياتهم في السرّاء والضرّاء ، لا كحالة سريعة خاضعة لظروف طارئة ، وهم الذين يحبسون غيظهم بالروح الرضيّة التي لا ترى في تفجير الغيظ متنفسا للعقدة الحادة الكامنة في نفوسهم ، لأنهم لا يعتبرون العلاقة بالإنسان الآخر في سلبياته الموجهة إليهم عقدة تفصلهم عنه ، بل يعتبرونها مشكلة تدفع العقل إلى التفكير بحل ، وهم الذين يتابعون التفكير في أشد حالات الغيظ ليفكروا بالله الذي يقول لهم (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة : ٢٣٧] وليدققوا في نتائج الموقف ، فيصلوا إلى النتيجة الأخلاقية الحاسمة ، وهي المبادرة بالعفو ، لأنه الشكر العملي لله في القدرة على هذا الإنسان المسيء ، وهم الذين يبدلون السيئة بالحسنة ، لأن ذلك هو مظهر القيمة الاخلاقية بالإحسان إلى من أساء إليك ، المعبّرة عن عمق القيمة الروحية في الذات التي لا تبحث عن ردة الفعل على فعل الآخر ، بل تبحث عن رضوان الله ، وهذا هو قوله تعالى : (* وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ