تقوى ، ويكون الآخر ليس عنده فإذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه (١).
فهذا الحديث يوحي بأن مسألة التقوى ليست مسألة استهلاك للعمل من دون وعي وعمق في القاعدة الفكرية الروحية للإنسان ، بل هي مسألة عمق فكري روحيّ يكمن في الذات ليملك الإنسان نفسه أمام عناصر الانحراف التي تجتذب عناصر الضعف فيه لتنحرف به عن الخط المستقيم ، الأمر الذي يجعل القضية مرتبطة بالنوعية لا بالكمية. وقد جاء في حديث آخر عن أبي جعفر عليهالسلام قال : كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : لا يقلّ عمل مع تقوى ، وكيف يقلّ ما يتقبل (٢). وهكذا نفهم كيف تعطي التقوى للعمل حجمه وحيويته وحركته في رضوان الله ، فيتقبله الله فيكون كثيرا في نتائجه ، وهو القليل في حجم العدد.
وتبقى مسألة التقوى في مسئولية الإنسان خاضعة لقدرته (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) لأن الله يريد للإنسان جهده ، فلا يكلفه ما لا يطيق ، فعليه أن يحرك التقوى في مدى استطاعته في إيحاء خفيّ بأن الاستطاعة معنى متحرّك في تنمية الإنسان لقدرته تبعا لطموحاته الفكرية والروحية والعملية في التنمية الذاتية ، في وجوده في العرض والطول ، والكمية والنوعية.
وتتحول التقوى في وجدان الإنسان إلى وعي الكلمات الرسالية التي إذا سمعها المتقون ، المفتوحة قلوبهم على كلمات الله ، كانت هدى لهم (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] وإذا اكتست مضمونا وعظيا يحرك مشاعر الإحساس ونبضات القلوب كانت موعظة لهم (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٦٤] وإذا انطلقت لتخرج الإنسان من غفلته كانت ذكرا لهم (وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ)
__________________
(١) الكافي ، ج : ٢ ، ص : ٧٦ ، رواية : ٧.
(٢) (م. ن) ، ج : ٢ ، ص : ٧٥ ، رواية : ٥.