(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فنسب إليه ما لم يشرّعه وما لم يقله ، (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) وجحد رسالاته وتمرد على رسله ... فقد ظلم الله ربه حقّه في الإيمان والطاعة ، وظلم الحقيقة حقّها في الوضوح والإذعان. (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) في ما قضاه الله وقدّره لعباده في الأرض من أرزاق ومعايش في ما يأكلون ويشربون ويلبسون ويتلذذون ... كغيرهم من عباد الله ، لأن الله لا يخص بنعمته عباده المؤمنين ، بل يفيض ما يشاء منها على جميع العباد. وتستمر بهم النعم ، وتمتد بهم الحياة ... (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا) ـ وهم ملائكة الموت (يَتَوَفَّوْنَهُمْ) ويقبضون أرواحهم ليواجهوا حساب الله في ما قدموه من أعمال سيئة ، (قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من شركاء مما تصنعون من أصنام ، أو تخضعون لهم من بشر ... (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) وابتعدوا وتركونا ـ وحدنا ـ نواجه المسؤولية ، في حيرة وضياع وذهول ... فكيف كنا نكفر بالله وبآياته؟ وكيف سرنا في خط الضلال الذي قادونا إليه؟ (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) في شعور عميق بالحسرة والتمزق والسقوط ...
* * *
مشهد المكذّبين الأوّل
إنه المشهد الأول من المشهدين اللذين عالجتهما الآية. إنهم الكافرون في الدنيا ، وقد جاءت رسل الله بمهمة إماتتهم ؛ ولكنهم وجهوا إليهم سؤالا قبل القيام بمهمتهم ، في صيغة هي أقرب إلى التبكيت والتوبيخ منها إلى الاستفهام ؛ أين هؤلاء الذين كنتم تدعونهم من دون الله ، فليأتوا إليكم في هذا الموقف الحرج الذي يتحدّى أصل وجودكم واغتراركم به ليخلصوكم إذا كانوا يملكون بعض قوة الألوهية أو سلطتها؟ ويحمل الجواب مشاعر الخيبة القاتلة