يشاركونها فيه ، لأن هذا الماء يتحوّل إلى حليب بقدرة الله. فضاقوا ذرعا بذلك ، بعد أن تدخّل المستكبرون بإثارة السلبية ضد هذا التوزيع الإلهي ، فتآمروا على قتل الناقة ، وأوعزوا إلى شخص منهم فعقرها وقتلها ؛ فحمّلهم الله مسئولية ذلك فعاقبهم جميعا ، لأن ما يجمع الناس الرضا والسخط ، كما قال الإمام علي عليهالسلام في بعض كلماته : «وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد ، فعمّهم الله بالعذاب لما عمّوه بالرضا فقال سبحانه : (فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ)» (١) [الشعراء : ١٥٧]. هذه هي خلاصة القصّة ، فكيف نتابع خطواتها في هذه الآيات؟
* * *
الخط الواحد لرسالة الأنبياء
(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ). وذلك هو الخط الواحد لرسالة الأنبياء في دعوتهم الناس إلى عبادة الله الواحد ، كمنهج للفكر وللعمل وللحياة كلها ... (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) توضح لكم قدرة الله في خلقه ، وتؤكّد لكم صدق الرسول في رسالته ، (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) ومعجزة خارجة عن مألوف ما اعتدتموه من النوق التي تعرفونها ، (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) ، فهي لا تكلّفكم أيّة مؤونة من غذاء وغيره ، فامنحوها الحرية في التجوّل في أرض الله لتأكل منها ما تشاء ، (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) ، ولا تعتدوا عليها بضرب أو جراحة أو قتل .. (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، لأن الاعتداء عليها يعني التمرد على الله والتحدي لنواهيه. ثم بدأ يحدثهم عن نعم الله التي أفاضها عليهم ، وكيف سهل لهم الأمور ومهّد لهم الأسباب : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ
__________________
(١) نهج البلاغة والمعجم المفهرس لألفاظه ، ص : ٢٣٣ ، خطبة : ٢٠١.