وهكذا أراد الله لرسوله أن يعيش روحية الرسالة ، لا عقدة الذات ، (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ) أي يا محمد (حَرَجٌ مِنْهُ) أي من الكتاب ، لما سيثيره حولك من مشاكل وقضايا في حياة الناس ، ولما سوف تواجهه من الانحرافات التي تحوّلت إلى مناهج في الفكر وفي الحياة ، ولما ستواجهه من الأوضاع التي تحوّلت إلى عادات وتقاليد ، ومن الأساليب التي درج عليها الناس في طريقة إدارتهم للعلاقات والانتماءات ، بما سيحوّله إلى عنصر إتعاب وإجهاد لك ، كما أن الواقع الذي تريد تغييره يجعلك تقف في مواجهة كل القوى المتضررة من عملية التغيير ، فتفقد ـ من خلال ذلك ـ كثيرا من الأصدقاء والأقرباء الذين يسيرون في الاتجاه الآخر ، فعليك أن لا تشعر بالضيق والحرج من ذلك كله ، بل يجب أن تستمر في حمل مسئوليتك في إبلاغ الكتاب إلى الناس ، (لِتُنْذِرَ بِهِ) ليعرف الناس من خلال النتائج السلبية التي تحصل من أعمالهم ، كيف يكون مصيرهم في الدنيا ، في ما يقاسونه من البلاء ، وكيف يكون مصيرهم في الآخرة ، في ما يحلّ بهم من العذاب ، ليرتدعوا بذلك عن الامتداد في خط الكفر والضلال ، فإن الكثير من الناس لا يفهمون القضايا بلغة الفكر التحليلي القائم على الحجة والبرهان ، لأنهم لا يعيشون الحقيقة في نطاق المسؤولية ، بل يفهمونها بلغة الوعيد والتهديد ، مما يجعل من أسلوب الإنذار سبيلا يدعوهم إلى التفكير بجدّية في ذلك كله على أساس ما يتمخض عنه من نتائج قاسية ، لا يملكون القوة على مواجهتها وتحمل آثارها.
(وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) الذين قد ينطلقون في خط الضلال ، من جهة الغفلة التي تنسيهم الله ، فتبعدهم عن وعي المسؤولية في عذابه وعقابه ، فإذا جاءتهم آيات الله في كتابه ، أصغوا إليها بمسامع قلوبهم ، وفتحوا لها أرواحهم ، وتذكّروا ـ من خلالها ـ كل ما يتعلق بمواقع هذه القضايا من دنياهم وآخرتهم ، فيؤمنون بالدين كله ، ويستزيدون من الإيمان في تفاصيله الفكرية والروحية والعملية ... وربما كان اختصاص الذكرى بالمؤمنين ، منطلقا من أنّ هؤلاء