البشري على خط الإرادة الإنسانية المؤمنة الواعية المنسجمة مع إرادة الله ، في ما يحب للإنسان أن يمارسه من عملية الاختيار ، ليتطابق مع التوازن والحكمة في نظامه الكوني. ولا بد للإنسان ، الذي يحمل مسئولية قيادة الناس على خط الرسالة إلى الصراط المستقيم ، من أن يعاني الصدمات والتحدّيات ، ويواجه العقبات من القوى المضادّة التي لا تريد للحياة أن تنضبط وتتوازن ، ولا ترضى للإنسان أن يستقيم. وربما كان من الطبيعيّ لهذا الإنسان ـ نبيّا كان أو غيره ـ أن يتأثّر نفسيا بالمشاعر السلبية في ما تتمثل به من ضيق الصدر ، واختناق الروح ، وفي ما تؤدي إليه من خطوات تراجعية للتخلّص من ذلك كله.
ولهذا أراد الله لرسوله ـ كما أراد للدعاة من بعده ، أن يعيش في نفسه إيجابية الانفتاح الروحي والشعوري على مشاكل ساحة الصراع ، باعتبارها حالة طبيعية تتحرك في نطاق السنن الكونية التي حدّدها الله لعملية التغيير في ما تفرضه من المراحل المتدرجة التي تبدأ من مرحلة الدعوة والتوعية ، وتنطلق في حركة الحوار على خط الصراع ، وتمتدّ في عملية المواجهة الحادّة التي تتقابل فيها الإيجابيات والسلبيّات ، وتتصارع فيها الانفعالات والمشاعر والأفكار ... وهكذا لن يكون الضيق النفسيّ والتشنّج الفكري والروحي في مصلحة النتائج الإيجابية المرتقبة في حركة الدعوة والداعية في نهاية المطاف. وبتعبير آخر ، إن هناك مزاجا للإنسان ـ البشر في الرسول أو في الداعية ، وهو المزاج الذي يتحرّك من خلال النوازع الذاتية في ما يعيشه من عوامل إثارة الانفعال الداخلي ، وإنّ هناك مزاجا للإنسان ـ الرسول في شخصيته ، وهو المزاج الذي تتحرّك فيه الرسالة ، في وعيها للامتداد الرسالي في خط الزمن في ما تنفتح عليه من رحابة صدر لا يضيق بشيء ، وسماحة روح لا تتعقّد من شيء ، وانفتاح فكر لا يتهرّب من شيء ، لأن قصة الرسالة هي أن تصل إلى هدفها ولو بعد حين ، بينما هدف الذات هو أن ترتاح مشاعرها في نطاق اللحظة الحاضرة.