حين كفروا بالله وعصوه ، وظلموا الناس حين تمردوا وتجبّروا عليهم. ولعل التعبير بقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) يوحي بأن سقوط الحضارات وهلاك الأمم الظالمة هو من السنن الإلهية التاريخية المطردة ، باعتبار أن الظلم الفكري والعملي ينحرف بالحياة عن مسارها الطبيعي وهو العدل ، وينحرف بالإنسان عن خط التوازن في الحركة والعلاقات ، مما يؤدّي إلى الانحلال والتمزق الداخلي والخارجي على صعيد الفرد والمجتمع ، فلا يبقى هناك أي موقع للتماسك الإنساني ، فينتهي به إلى السقوط والانهيار الحضاري.
ولكن ما فائدة ذلك؟! إن الله لا يقبل الاعتراف القادم في لحظات الموت ، ومعاينة العذاب ، لأنه لا يمثل الإرادة الحرة المتحركة في خط القناعة الوجدانية في ضوء الدليل والبرهان ... إنها حالة هروب من الواقع ، وليست حالة اعتراف وندم.
(فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) كأي إنسان ينكر في حالة الاسترخاء ، بما يوحي به إلى نفسه من شعور بالقوة على التمرد والجحود ، ولكنه يحس بالضعف والانسحاق أمام الواقع المرّ الذي يصطدم به ، فيتحداه بكل النتائج القاسية التي كان يهرب منها ، فيقف وقفة الخائف المذعور الذي يبحث عن كلمة اعتراف ، أو موقف ندم يوحي إليه بالأمن من العذاب ، ولكن دون جدوى. (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) من الأمم والشعوب عن ذلك كله ، فإنّهم سيتحدثون بكل ذلك ، وإذا كانوا غير حاضرين أمامنا الآن لأنهم ذهبوا في ظلمات التاريخ ، فإن تاريخهم حاضر بين أيدينا ، بكل نتائجه وآثاره وبقاياه ، يعرفنا كيف بادت تلك الحضارات ولماذا ، وكيف هلكت تلك الأمم ولماذا ، فنعرف أن انحرافهم عن طريق الله هو الذي أدّى إلى ذلك كله.
(وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) كيف واجهتهم أممهم بالجحود والنكران ، وسيقدّمون تقريرهم إلى الله يوم القيامة ، كما قدموا تقريرهم في ما كانوا يعيشونه من مشاكل وآلام في وقت الرسالة. (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ) لا على