الخيال في نفس الإنسان من أوهام ، بما تحدثه من أحاسيس ومشاعر حميمة لا أساس لها. وهذا ما بدأه إبليس في تجربته الأولى لإغواء آدم وحوّاء ؛ فقد عاشا في الجنّة ، ولا فكرة لهما عن المستقبل ، ولا عن الحياة والموت ، أو عن الخلود والفناء ، ولا طموح لهما في مسألة الملك والرفعة ؛ فهما هنا في الجنة في رضوان الله ونعيمه ، يعيشان السعادة والطمأنينة والسلام الروحي دون مشكلة (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) بطريقته الخاصة ، وأثار في داخلهما الإحساس بفكرة جديدة لم تخطر لهما على بال ؛ فهما هنا ـ في الجنة ـ يستمتعان بكل شيء فيها ، ما عدا هذه الشجرة ، فلما ذا المنع عن هذه الشجرة بالذات؟ لا بد أن هناك سرا خفيا وراء ذلك ، فما هو هذا السر؟! وكانا يسيران عاريين لا يلتفتان إلى شيء يميز عضوا عن عضو في جسديهما مما يثير الحياء والخجل. وبدأت الأخيلة الجديدة تثير علامات الاستفهام أمامهما ... ما هذا وما ذاك؟ وما دور هذا ، وما دور ذاك ... وتحوّلت الوسوسة الخفية الدائمة ، إلى حالة من القلق الخفيف الذي يزحف على المشاعر فيحرّكها في حالة من التوتر والارتباك ... واستمر إبليس في إثارة الوسوسة في داخلهما (لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) ليعيشا هذا الهاجس العضوي في جسديهما. (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) وأثار في داخلهما طموح الملك والسيطرة والخلود ، وربط ذلك بالشجرة ، فهي تحمل في ثمرها سرّ الخلود والملك. فانطلقا إليها بكل شوق ولهفة ، وأطبقت عليهما الغفلة عن مواقع أمر الله ونهيه ، لأن الإنسان إذا استغرق في مشاعره وطموحاته الذاتية ، واستسلم لأحلامه الخياليّة ، نسي ربّه ، ونسي موقعه منه ، وأصبح يفكّر في الاتجاه الواحد الذي يقوده إليها بعيدا عن كل مسئولية.
* * *