مواجهة الرسالات ، فهناك الإنسان الذي هداه الله بهدايته من خلال أخذه بأسبابها التي وضعها بين يديه وزاده هدى بعد أن اختار ذلك ، وهناك الإنسان الذي رفض السير في خط الهداية ، واندفع في متاهات الضلال فثبتت عليه الضلالة من خلال توفر أسبابها الإرادية الطبيعية ، مما يجعل التعبير جاريا على مستوى النتائج لا على مستوى المقدمات ، بمعنى أنه ليس المراد منه أن الله خلقه مهديّا ، أو فرضت عليه الضلالة بالتكوين ، بل إن المراد منه ، على الظاهر السياقي ، هو أن الناس فريقان ، فهناك الذي هداه الله ، على النسق الذي تنتسب فيه الأفعال إليه ، فلا يمنع أن يكون ذلك بأسبابه الاختيارية ، ولعل قوله تعالى : (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) يوحي بذلك ، باعتبار دلالته على ارتباط الضلالة بإرادتهم ، أما قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) ، فالظّاهر أنّ المراد منها الحديث عن البعث الذي تلتقي فيه النهاية بالبداية على أسلوب قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام : ٩٤] ، وليس المراد منها ـ والله العالم ـ مصيرهم في مسألة الإيجاد والبعث ، فلا بد لهم من التفكير بالموقف عند العودة إليه للحساب ، ليستعدوا له بإقامة وجوههم عند كل مسجد والابتهال إليه بالدعاء بإخلاص الدين له ، والله العالم.
* * *