الكل والصعقة الكلية. قوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) لأن قوامها بمباديها العقلية وصورها القضائية الإلهية كما ذهب إليه أفلاطون ومن قبله ، ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض بانقطاع الآجال وانقضاء الأحوال ونفاد القوى الجسمانية ، إذ أنتم تخرجون من المحابس الكونية والمقابر الطبيعية إلى فضاء الآخرة وأرض المحشر. وقوله تأكيدا لما سبق وتقريرا : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) في سلسلة البدو والرجوع ، (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) لأن الرجوع إلى الفطرة الأصلية أنسب من الخروج عنها. وقوله في لقمان : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) كما في سورة الملائكة تأكيدا وتقريرا (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) أي مقدر معلوم عند الله ، ولغاية محدودة. والنكتة في أن قال في لقمان (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وفي الملائكة (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) ، أن الغاية كما حقق في مباحث العلة والمعلول لها اعتباران : اعتبار أنها ما ينتهي إليه الفعل ، واعتبار أنها ما لأجله الفعل ، فبالاعتبار الأول يقع التعدي بإلى ، وبالاعتبار الثاني يقع باللام ، وذلك لأن القوى العمالة في تلك الأجرام العالية قوى جسمانية متناهية الوجود والتأثير ، فلا بد من وقوفها واندراسها وانتهائها إلى غاية عقلية يتصل بها وينقلب إليها.
وبيان ذلك بوجه آخر عقلي ، أن محرك الأفلاك ومجرى الكواكب فاعل حكيم وقادر عليم هو أرفع من الطبيعة ، مختار في صنعه وقدرته ، وكل فاعل كذلك لا بد أن يكون لفعله غرض عقلي وفائدة حكمية تترتب عليه والغرض إن لم يحصل وقتا من الأوقات ولم يكن مما ينتهي إليه الفعل فلم يكن غرضا صحيحا ، ومحرك هذه الأجرام العالية يمتنع أن يكون تحريكه إياها عبثا وجزافا ، كما قال : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) فإذن لا بد أن يكون خلق الأفلاك وتحريكها إلى غرض واجب البلوغ إليه ، وإذا بلغ الفاعل بفعله غرضه فسبيله لا محالة أن يمسك عن فعله ، فمحرك الأفلاك ومجرى الكواكب سبيله أن يمسك عن تحريكها وإدارتها ويقطع الفعل والعمل ، فإذا أمسك عن فعله وعمله وقفت الأفلاك عن الدوران و