تفاصيل العلوم النفسانية.
والثاني ، إشارة إلى العلم النفساني المتكثر بصور عقلية حاصلة في النفوس الفاضلة ، وربما يحصل الثاني دون الأول لكن الأول لا ينفك عن الثاني ، فكل قرآن لا ينفك عن الفرقان دون العكس ، ونفس نبينا ، صلىاللهعليهوآله ، في مقام (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) عقل بسيط قرآني متحد مع المعقولات كلها ، وهو قلم الحق الأول ، وكلامه بوجه وهو كلمة الله التامة التي فيها جوامع الكلم ، كما في قوله ، صلىاللهعليهوآله : «أوتيت جوامع الكلم» وفي مقام آخر لوح نفساني فيه تفاصيل العلوم وصور الحقائق المرسومة فيه من قبل قلم الحق الفعال لصور العلوم ، وتلك الصور أو محلها هو الكتاب الفرقاني ، فهذا المصحف الذي بين أظهرنا قرآن بوجه وفرقان بوجه ، وهو كلام الله بوجه وكتابه بوجه ، وسينكشف لك وجوه الفرق بين كلام الله وكتابه ، وأن المنزل على سائر الأنبياء كتابه لا كلامه ، وأن ذلك فرقان لا قرآن. إذا علمت هذا فاعلم ، أن من أسمائه نور ، لأنه نور عقلي ينكشف به أحوال المبدإ والمعاد ، يتراءى به حقائق الأشياء ، ويهتدى به في سلوك يوم القيامة وطريق الجنة ، كما قال تعالى : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وقال : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فقوله : (نُورٌ) إشارة إلى مرتبة العقل القرآني البسيط. وقوله : (كِتابٌ) إشارة إلى مرتبة العلم التفصيلي ، كما قال : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) وقال : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) وقال : (تَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ). ومن أسمائه العظام الحكمة ، كما في قوله : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) فإن الموجودات أعني الممكنات متميزة حال عدمها الكوني في علم الله الواحد ويعلم الله تعالى بعلم واحد بسيط صور جميع الأشياء ، ويراها ويأمرها بالتكوين بأمر واحد هي كلمة كن الوجودي ، فما عند الله إجمال ، بل الأمر كله في نفسه ، وفي علم الله مفصل ، وإن كان كله معلوما بعلم واحد لكن معلوماته كثيرة ،