مزاحم لها حتى يبطلها أو يتغير به استعداد محلها ، وليس بينها وبين البدن إلا علاقة شوقية وهي إضافة والإضافة أضعف الأعراض ، وزوالها لا يوجب زوال الذات المضافة ، وإلا لكان أضعف الأعراض مقوما لوجود الجوهر وهو محال ، هذا خلاصة كلام الفلاسفة في هذا الباب وفيه بحث من وجهين.
الأول أن النفس الإنسانية عندهم جوهر عقلي وإنها عندهم أولا عقل بالقوة وإنما يصير عقلا بالفعل بعد مزاولة الاكتساب وتحصيل العلوم الحقيقية ، حتى يخرج ذاتها من القوة إلى الفعل ، فقبل صيرورتها عقلا كيف يبقى بدون البدن مستقل الوجود مفارق الذات ، فإن كل مفارقة الذات مستقل الوجود عندهم عقل بالفعل ، وكل عقل بالفعل كامل في العلم والمعرفة ، والمقدر خلافه ، هذا خلف ، ولهذا وقع الاختلاف بين تلامذة المعلم الأول وشراح كلامه في بقاء العقل الهيولاني بعد بوار البدن ، فذهب الإسكندر الأفروديسي إلى أن النفوس الإنسانية إذا فارقت الأبدان وهي هيولانية ، فإنها تبطل إذ لم يتصور بشيء من الصور العقليه التي تقوم بها بالفعل ، وأما ثامسطيوس فإنه كان يخالفه في هذا الرأي ويرى أن هذه القوة باقية ، وأما رئيسهم أبو علي فقد مال إلى مذهب ثامسطيوس في أكثر كتبه ومال إلى مذهب الإسكندر في بعض رسائله.
واعلم أن الموافق لأصول الفلاسفة القائلين بعرضية القوة الخيالية ، الغافلين عن جوهريتها وقوامها بذاتها لا بالعضو الدماغي ، هو المذهب الأول لما أشرنا إليه من أن المادة العقلية لا وجود ولا بقاء لها إلا بصورة عقلية تقومها بالفعل.
وأما ما رأينا وتفردنا بإثباته بالبرهان من تجرد القوة الخيالية عن البدن الطبيعي ، واتحادها ببدن محشور باق في عالم البرزخ ، فجميع نفوس الإنسانية حتى العوام والصبيان باقية بعد هذا البدن ، كما هو موافق للشريعة والكتاب والسنة ، بل هو من ضروريات الملة الحنيفة.
وثانيهما أن نفسية النفس نحو وجودها الخاص الذي يلزمه الإضافة إلى البدن الطبيعي ، وليست هذه الإضافة كإضافة الأشياء التي عرضت