الرُّجْعى) ، وقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) ، وقوله : (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ، وقوله : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) ، وقوله : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ، وقوله : (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) و (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) ، والمراد منه كتاب النفس ، وكذا قوله : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) ، فإن النفوس في هذا العالم مطوية بما فيها من الهيئات والنقوش ، والأجسام بما فيها من الأعراض والصور منشورة ، وفي الآخرة بالعكس من ذلك ، فإن أجرام السماوات مطوية هناك لقوله تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) ، والأجرام الأرضية مقبوضة لقوله : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، والنفوس والأرواح مكشوفة بارزة.
واعلم أن جمهور الفلاسفة لم يعلموا من حقيقة الروح وماهية النفس إلا قدرا يسيرا ، يلزم من أحوال بعض مراتبها ومقاماتها من جهة ما نظروا في أحوال البدن وعوارضه ، وذلك مثل كونها مدركة مدبرة ، وهاتان صفتان نسبيتان يشترك فيهما الحيوانات ، وأما ما ادركوا من بقائها بعد انقطاع تصرفها عن البدن فإنما عرفوا ذلك من كونها محل العلوم ، وإن العلم لا ينقسم ، فلا يتصور انقسام محله ، وفيه مواضع أنظار كما ذكرناه في كتبنا العقلية ، سيما عند المحقق العارف أنه ليس العلم بالحقائق العقلية بحلول صورتها في النفس ، وأما الحكم بكونها قبل البدن فأكثرهم أنكروا ذلك ، ومن قال منهم به فلم يقم عليه برهانا ولم يقدر على دفع الشكوك الواردة على ذلك ، ولم يمكنه اختيار أحد الشقين ، من كون النفس قبل البدن هل كانت واحدة أو كثيرة ، لأنه يلزم على كل من الشقين ما يخالف أصولهم الاعتقادية ، وإذا كان حال هؤلاء العقلاء الفضلاء من أمر النفس هكذا ، فكيف حال من سواهم من أهل الجدال وأولى وساوس الخيال ، ولأجل ذلك قال تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).