القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران ، فالقبر الحقيقي هذه الهيئات وعذابه وثوابه ما ذكرناه انتهى كلامه.
واعلم أن ما ذكره هذا العالم النحرير غاية ما يمكن أن يقول هو ومن يحذو حذوه من الذين زعموا أن الجزء الباقي من الإنسان بعد الموت ليس إلا جوهرا عقليا لا يصحبه قوة الخيال فضلا عن قوة الحس فصعب عليهم إثبات عذاب القبر وثوابه على الوجه الإدراك الجزئي الحسي.
وأما نحن بحمد الله فلما ذهبنا إلى أن للإنسان غير هذا القشر الطبيعي بدنا نفسانيا ذا حواس جزئية من السمع والبصر والذوق والشم واللمس ، يدرك بها الصور والأشكال الأخروية من المثوبات والعقوبات الموعودة في لسان النبوات ، فلا يعسر علينا إثبات كثير من أمور القيامة وما بعد الموت على الوجه المسموع المنقول.
ثم العجب من هذا القائل ومن في طبقته كيف يمكنهم إثبات هذه الإدراكات الجزئية بعد الموت ، لأنها التي يتوقف عندهم على الآلات الجسمانية والقوى الطبيعية المادية ، والوهم أيضا عندهم قوة قائمة بجزء من الدماغ فكيف يبقى العرض بعد فساد موضوعه ، والحق عندنا أن الجوهر المتخيل الحساس من الإنسان أمر باق بعد الموت الطبيعي.
قال أعظم المحدثين أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه طاب ثراه : اعتقادنا في المساءلة في القبر أنها حق لا بد منها ، فمن أجاب بالصواب فاز بروح وريحان في قبره وبجنة نعيم في الآخرة ، ومن لم يجب بالصواب فله نزل من حميم في قبره وتصلية جحيم في الآخرة ، وأكثر ما يكون في عذاب القبر من النميمة وسوء الخلق والاستخفاف بالبول ، وأشد ما يكون عذاب القبر على المؤمن ، مثل اختلاج العين أو شرطة الحجام ويكون ذلك كفارة لما بقي من الذنوب التي لم تكفرها الهموم والغموم والأمراض ، وشدة النزع عند الموت.
قال بعض أهل الكشف والشهود كل من كشف الغطاء عن بصيرته وشاهد بعين القلب باطنه في الدنيا ، لرآه مشحونا بأنواع الموذيات وأصناف السباع ، مصورة عنده مثل صورة الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر