قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) وينكشف بذلك النور حقيقة الأشياء الأصلية على ما هي عليه ، فيتضح حينئذ أن الكل من الله ابتداؤه ، وإلى الله مرجعه ومصيره. وهذا الصنف هم المقربون النازلون في الفردوس الأعلى ، وهم على غاية القرب من الحضرة الربوبية. وهم أيضا على أصناف فمنهم السابقون ، ومنهم من دونهم بحسب تفاوت معرفتهم بالله وصفاته وأفعاله ، ودرجات العارفين غير محصورة ، كما قال تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) إذ الإحاطة بكنه جلال الله غير ممكن ، وبحر المعرفة ليس له ساحل ، فكل له درجة بقدر قوة غوصه وخوضه فيه. وأما المؤمن إيمانا تقليديا فهو من أصحاب اليمين إن كان عمله صالحا ، فهو يثاب في الآخرة بحسب ميزان عمله وسلامة صدره من الغل والغش ، فمن أدى الفرائض واجتنب الكبائر ، فيدخل في الجنة ، وكذا من أهمل الفرائض وارتكب الكبائر ، إلا أنه تاب توبة نصوحا ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وأما من لم يتب من الكبائر حتى مات ، فأمره خطير ، إذ ربما كان موته على الإصرار سببا لزوال إيمانه ، فختم له بسوء الخاتمة ، لا سيما إذا كان إيمانه تقليديا ، فإن التقليد وإن كان جزما فإنه قابل للانحلال بأدنى شبهة ، والعارف البصير أبعد عن أن يخاف عليه سوء الخاتمة ، وكلاهما إن ماتا على الإيمان يدخلان الجنة ولو بعد حين ، ويعذبان عذابا يزيد على عذاب المناقشة في الحساب بحسب قوة الإصرار وكثرة مدته وبحسب قبح الكبيرة ، إلا أن يعفو الله ويتجاوز عنه فإنه غفور رحيم. وكما أن الإيمان على ضربين ، حقيقي وتقليدي ، فالكفر أيضا كفران : كفر عن جحود وعناد وانحراف عن منهج السداد ، وهو مضاد الحق ، لأنه صفة وجودية وجهل مشفوع بالإصرار والاستنكار مركب مع البغض واللجاج ، وكفر عن قصور ونقص وعدم استعداد ، وكلاهما منشأ الخلود في النار ، إلا أن المنافق أشد عذابا وأسوأ حالا من الكافر الفطري لمكنة استعداده وقوة نفسه.
وتفصيل المقام : أن الأشقياء على ضربين ، أما المطرودون في الأزل الذين حق عليهم القول ، وهم أهل الظلمة والحجاب الكلي لغلظ طبائعهم وكثافتها وانغمارهم في بحر الطبيعة ، فهم المختوم على قلوبهم أزلا ، كما قال