تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) وكما قال : (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ، وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ، وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) وفي الحديث القدسي «هؤلاء خلقتهم للنار ولا أبالي» وأما المنافقون الذين كانوا مستعدين في الأصل قابلين للنور بحسب الفطرة والنشأة ، ولكن احتجب قلوبهم بالرين المستفاد من اكتساب الرذائل النفسانية الحاصلة من ارتكاب المعاصي ومباشرة الأفعال السبعية والبهيمية ومزاولة المكايد الشيطانية حتى رسخت الهيئات الغاسقة والملكات المضلة وارتكمت على أفئدتهم ، فبقوا شاكين حيارى تائهين في تيه الجهالة وظلمات الحيرة وحبطت أعمالهم وانتكست رءوسهم ، فهم أشد عذابا وأسوأ حالا وأردأ مآلا وأعصى جوهرا من الفريق الأول ، لمنافاة مسكة استعدادهم لأحوال مآلهم ووبالهم. والفريقان هم أصحاب النار ، لأنهم أهل الدنيا ، أحدهما ، أهل الحجاب ، والأخرى أهل العقاب. فالفريق الأول ما أشار تعالى إليهم بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ، خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) والفريق الثاني ما أشار إليهم بقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ، يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ، وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
فالفريق الأول من الأشقياء الذين هم أهل القهر الإلهي ، لا ينجع فيهم الإنذار ، ولا سبيل إلى خلاصهم من النار (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا ، أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، و (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) وهؤلاء سدت عليهم الطرق (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) وأغلقت عليهم الأبواب ، لأن القلب هو أصل الأبواب ، وهو المشعر الإلهي الذي هو محل الإلهامات ، وقد حجبوا عنه بختمه ، وكذا السمع والبصر اللذان هما بابان للفهم والاعتبار للإنسان ، وقد حرموا عن جدواهما ، لامتناع نفوذ المعنى فيهما إلى القلب ، فلا سبيل لهم في