الباطن إلى العلم الكشفي الباطني ولا في الظاهر إلى العلم التعليمي الكسبي ، فحبسوا في سجون الظلمات وعظم عذابهم وحجابهم.
والفريق الثاني من الأشقياء هم الذين سلب عنهم الإيمان مع ادعائهم له ، لأن محل الإيمان هو القلب لا اللسان ، قال الله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا ، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ، وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ، وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ومعنى قولهم فيما حكى لله عنهم (آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) ادعائهم علمي التوحيد والمعاد اللذين هما أشرف العلوم الإلهية وأجل المعارف الربانية ، فكذبهم الله بقوله : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) فأشار إلى أن علومهم خدع وتلبيسات يشتبه بها الجهل بالعلم ويظهر بها الباطل بصورة الحق كما هو دأب المغالطين المماكرين على ما قال تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) ، ... (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً ، فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) لكن أهل البصيرة يعرفون وجوه الخلط والتلبيس ، وتدفعون خداع أصحاب الوهم والظلمات ، وأوهامهم بأنوار الإلهامات وأضواء اليقينيات ، كما قال : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) ، (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ ، وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) وفي القرآن آيات كثيرة مشيرة إلى أحوال هاتين الطائفتين ، أعني الضالين الغاوين والمضلين المغوين المكذبين ، كقوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ، وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) وقوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ، وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) وقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ ، أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ).