فشتان بين ما ذكروه وبين ما قررناه فإن الذي تخيلوه لا يمكن تصحيحه على نمط البيان العلمي ، لأن مبناه على الإرادة الجزافية التي ذهبوا إليها ، وعلي إبطالهم القول بالعلة والمعلول. وأيضا : كون العلم والقدرة وغيرهما من الصفات التي تلزمها الإضافة قديمة ومتعلقاتها حادثة غير معقولة بناء على مذهبهم من انقطاع الفيض وتخصيص آن من الآنات بأول الحدوث. وكذا قول جمهور قدماء المعتزلة بكون علمه تعالى بالأصلح علة مقتضية لوجود العالم في الوقت الذي وجد فيه دون غيره من الأوقات ، وليس يلزم من هذا تخلف المعلول عن العلة المقتضية ، لأن الذي اقتضاه العلم بالأصلح هو وجود المعلول على هذا الوجه ، فلم يلزم تخلف أصلا. وكذا قول بعضهم بأن الداعي ذات الوقت على سبيل الأولوية أو على سبيل الوجوب ، إذ لا وقت قبله ونحو ذلك من الملفقات الكلامية التي لا جدوى فيها إلا تضييع الوقت. فإن كون الصفات الفعلية قديمة والآثار اللازمة حادثة أنما يستقيم ويستثبت إذا كان نحو وجود الخلق والمواد الجسمانية وطبائعها متجددة منقضية بحيث لا بقاء لها زمانين ، لأن شأنها التجدد والحدوث وماهيتها يقتضي الزوال والانصرام والانقضاء ، كالحركة والزمان ، لكن معنى الحركة نفس المعقول من تجدد شيء وخروجه من القوة إلى الفعل تدريجا بالمعنى الذهني المصدري.
وأما الذي كلامنا فيه فهو نفس الموجود الذي وجوده بعينه يخرج من القوة إلى الفعل على التدريج ، وهو من مقولة الجوهر الذي يقع فيه وبه الحركة الذاتية والحدوث والتجدد من لوازمه الغير المجعولة بجعل مستأنف يتخلل بين الشيء وموصوفه ، فالجاعل القديم بقدرته القديمة وبنحو ثباته يفعل الجوهر الجسمانية ، وهي من حيث أصل ذاتها وثبات وجودها الذي هو عين الحدوث والتجدد مرتبطة بالفاعل وبقدرته التامة ، ولا لمية لها في نحو حدوثها وتجددها إذ لا يتصور لها وجود خارجي إلا على هذا النحو فلا صنع للفاعل إلا في إفاضة الوجود عليها على الوجه الأتم الأبلغ ، لا في كونها حادثة الوجود ناقصة الكون متجددة الهوية والذات ، إذ الذاتي لا يعلل ، فعلى هذا الوجه صح القول بأن القدرة والإرادة والجود أزلية والعالم حادث ، لا على