فمن الآيات الدالة على فناء الكل ورجوعها إلى الواحد القيوم بحركتها المعنوية وتولى وجهها إلى وجه الحق قوله : (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) وقوله : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) وقوله : (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ، فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) وقوله (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) وذلك لأن نسبة القيامة الكبرى وهي فناء جميع الخلائق وقيامها عند الله ، إلى القيامة الصغرى وهو موت كل أحد كنسبة الولادة الكبرى أعني خروج الأرواح عن بطن الدنيا إلى الولادة الصغرى وهي خروج الجنين عن بطن أمه. فكما أن لكل نفس أجل مسمى ولادة وموتا ، كذلك لكل أمة وطائفة بل لجميع الخلائق ميعاد وأجل معلوم عند الله. وإنما قلنا : معلوم عند الله ، لأن فهم الناس لا يبلغ إلى درك هذا الأجل والموعد إلا العرفاء الشامخون والأولياء الكاملون عند تجردهم عن الدنيا ، ولو أمكن تعليم ذلك لهم لما وقع في الجواب عند سؤالهم عن وقت قيام الساعة (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) والذي يبلغ فهمهم دركه هو ساعة موت الإنسان الصغير لا ساعة موت الإنسان الكبير يعني القيامة الكبرى. وقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) وهذه الوراثة والرجوع أنما يتحققان إذا صارت الأرض غير الأرض بأن تصير أرضا حية بيضاء منيرة مشرقة عقلية ، كما في قوله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) وقوله : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) وإلا فما دامت كثيفة مظلمة ميتة فهي بعيدة المناسبة عن الحضرة الإلهية. وقوله : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ، لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) أي مجردا عن الأجسام وعوارضها المادية وأوضاعها الحسية ، بل عن إنياتهم وهوياتهم المغايرة للحق لاستغراقهم في بحر الطبيعة وانغمارهم في الدنيا. وذلك التجرد أنما يحصل بالفناء عن هذه النشأة الطبيعية والحشر إلى الله والبعث في القيامة. وقوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً ، فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) وقوله : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ