قوله : إن كلام الباري تعالى إذا قرئ فهو عرض ، وإذا كتب فهو جسم. ومن العجب أن الزعفرانية (١) قالت كلام الله غيره ، وكل ما هو غيره فهو مخلوق ، ومع ذلك قالت : كل من قال إن القرآن مخلوق (٢) فهو كافر. ولعلهم أرادوا بذلك الاختلاف ، وإلا فالتناقض ظاهر. والمستدركة (٣) منهم زعموا أن كلامه غيره ، وهو مخلوق لكن النبيصلىاللهعليهوسلم قال : «كلام الله غير مخلوق» والسلف عن آخرهم أجمعوا على هذه العبارة ، فوافقناهم ، وحملنا قولهم غير مخلوق ، أي على هذا الترتيب والنظم من الحروف والأصوات ، بل هو مخلوق على غير هذه الحروف بعينها ، وهذه حكاية عنها. وحكى الكعبي عن النجار أنه قال : الباري تعالى بكل مكان ذاتا ، ووجودا لا معنى العلم والقدرة ، وألزمه محالات على ذلك.
وقال في المفكر قبل ورود السمع مثل ما قالت المعتزلة إنه يجب عليه تحصيل المعرفة بالنظر والاستدلال.
وقال في الإيمان إنه عبارة عن التصديق. ومن ارتكب كبيرة ومات عليها من غير توبة عوقب على ذلك ، ويجب أن يخرج من النار ، فليس من العدل التسوية بينه وبين الكفار في الخلود.
ومحمد (٤) بن عيسى الملقب ببرغوث ، وبشر (٥) بن غياث المريسي ،
__________________
(١) كان الزعفراني يعبر عن مذهبهم بعبارات متناقضة فكان يقول : إن كلام الله تعالى غيره ـ وكل ما هو غير الله تعالى مخلوق ، ثم يقول مع ذلك : الكلب خير ممّن يقول كلام الله مخلوق. (راجع الفرق بين الفرق ص ٢٠٩ والتبصير ص ٦٢).
(٢) راجع كلام الخلفاء والصحابة والتابعين في خلق القرآن في كتاب «الأسماء والصفات» ص ٢٣٩.
(٣) افترقوا فرقتين. فقالت فرقة منهم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : كلام الله تعالى مخلوق ، على هذا الترتيب بهذه الحروف. وقالوا : وكل من لم يقل أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال هذا فهو كافر. وقالت الفرقة الأخرى : إن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يقل أن كلام الله تعالى مخلوق ، ولم يتكلم بهذه الكلمة على هذا الترتيب ، ولكنه يعتقد أن كلام الله تعالى مخلوق وتكلّم بكلمات تدل على أن القرآن مخلوق. (راجع التبصير ص ٦٢ والفرق بين الفرق ص ٢٠٨).
(٤) كان على مذهب النجار في أكثر مذاهبه وخالفه في تسمية المكتسب فاعلا.
(٥) هو أبو عبد الرحمن. فقيه معتزلي عارف بالفلسفة يرمى بالزندقة. وهو رأس الطائفة «المريسيّة» القائلة ـ