والعبد مكتسبها حقيقة. وجواز حصول فعل بين فاعلين ، وقالا يجوز أن يقلب الله تعالى الأعراض أجساما ، والاستطاعة والعجز بعض الجسم وهو جسم ولا محالة بنفي زمانين. وقالا : الحجة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الإجماع فقط ، فما ينقل عنه في أحكام الدين من طريق أخبار الآحاد فغير مقبول (١).
ويحكى عن ضرار أنه كان ينكر حرف عبد الله (٢) بن مسعود ، وحرف أبي بن كعب(٣) ، ويقطع بأن الله تعالى لم ينزله (٤).
__________________
(١) أمّا حقيقة هذه الإضافة في اللغة فإنه خبر واحد وإنّ الراوي له واحد فقط لا اثنان ولا أكثر من ذلك.
غير أن المتكلّمين والفقهاء قد تواضعوا على تسمية كل خبر قصر على إيجاب العلم بأنه خبر واحد ... وهذا الخبر لا يوجب العلم ، ولكن يوجب العمل إن كان ناقله عدلا ولم يعارضه ما هو أقوى منه. فمتى صحّ إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل ، كانت موجبة للعمل بها دون العلم ، وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم في أن يلزمه الحكم بها في الظاهر ، وإن لم يعلم صدقهم في الشهادة ، وبهذا النوع من الخبر أثبت الفقهاء أكثر فروع الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الحلال والحرام وضلّلوا من أسقط وجوب العمل بأخبار الآحاد. (راجع التمهيد ص ١٩٤).
(٢) هو أحد القرّاء الأربعة من السابقين صحابي ، من أكابرهم فضلا وعقلا وقربا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم. كان خادم رسول الله الأمين وصاحب سرّه ورفيقه في حلّه وترحاله وغزواته. له ٨٤٨ حديثا. توفي سنة ٣٢ ه / ٦٥٣ م. (راجع الإصابة ت ٤٩٥٥ والبدء والتاريخ ٥ : ٩٧).
(٣) هو أبو المنذر : أبي بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي النجاري. كان أقرأ الصحابة وسيّد القرّاء. شهد بدرا والمشاهد كلها. وقرأ القرآن على النبي صلىاللهعليهوسلم وجمع بين العلم والعمل. توفي سنة ١٩ ه. وقيل سنة ٢٢ ه. (راجع تذكرة الحفاظ رقم ٦ ومشاهير علماء الأمصار رقم ٣١).
(٤) قراءة ابن مسعود هي قراءة عاصم بن بهدلة أبي النجود شيخ الأقراء بالكوفة ، وقد أقرأها أبا بكر بن عياش ، وهي القراءة التي كان يعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود. وفي تاريخ المصاحف بيان لحروف ابن مسعود ومصحفه. أمّا قراءة أبيّ فقد أخذ بها عبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ الكوفة وإليه انتهت القراءة تجويدا وضبطا وممّن أخذ عنه عاصم. وبتاريخ المصاحف بيان لمصحفه والقراءتان متوافرتان ولهما قراءة تجري مجرى التفسير المشهور. وإنكار حرف منهما يكون إنكارا لبعض القرآن وإنكار بعضه كإنكار كلّه وهو كفر فوق ما فيه من نسبته إليهما الإفتاءات على الله في مصحفيهما.
ولقد زاد في غلوائه فشكّ في جميع عامة المسلمين وقال لا أدري لعل سرائر العامة كلها شرك وكفر وهذا خلاف إجماع أهل السنّة حيث قالوا : إنّا نقطع أن في عوام المسلمين مؤمنين عارفين براء من الكفر والشرك. (راجع غاية النهاية أول ص ٣٤٧ وص ٤١٣ وتاريخ المصاحف ص ٥٣ وص ٥٤ والتبصير ص ٦٣).