اسْتَوى) (١) ومثل قوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (٢) ومثل قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) (٣) إلى غير ذلك. ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها ، بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له ، وليس كمثله شيء ، وذلك قد أثبتناه يقينا.
ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قاله السلف ؛ فقالوا : لا بد من إجرائها على ظاهرها ، فوقعوا في التشبيه الصرف وذلك على خلاف ما اعتقده السلف. ولقد كان التشبيه صرفا خالصا في اليهود ، لا في كلهم بل في القرائين (٤) منهم ، إذ وجدوا في التوراة ألفاظا كثيرة تدل على ذلك.
ثم الشيعة في هذه الشريعة وقعوا في غلو وتقصير. أما الغلو فتشبيه بعض أئمتهم بالإله تعالى وتقدس. وأما التقصير فتشبيه الإله بواحد من الخلق. ولما ظهرت المعتزلة والمتكلمون من السلف رجعت بعض الروافض عن الغلوّ والتقصير ، ووقعت في الاعتزال وتخطت جماعة من السلف إلى التفسير الظاهر فوقعت في التشبيه.
وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل ، ولا تهدفوا للتشبيه فمنهم : مالك بن أنس رضي الله عنهما ، إذ قال : الاستواء معلوم ، والكيفية مجهولة ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة. ومثل أحمد بن حنبل رحمهالله ، وسفيان الثوري ، وداود بن عليّ الأصفهاني ، ومن تابعهم.
حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي ، وأبي العباس القلانسي ،
__________________
(١) سورة طه : الآية ٥.
(٢) سورة ص : الآية ٧٥.
(٣) سورة الفجر : الآية ٢٢.
(٤) القراءون : هم فرقة من اليهود ، وهم بنو مقرا ومعنى مقرا الدعوة ، وهم يحكمون نصوص التوراة ولا يلتفتون إلى قول من خالفها. ويقفون مع النص دون تقليد من سلف وهم مع الربانيين من العداوة بحيث لا يتناكحون ولا يتجاورون ، ولا يدخل بعضهم كنيسة بعض. (راجع خطط المقريزي ٤ : ٣٦٩).