وخالف الأشعري بهذا التدقيق جماعة من الحشوية ؛ إذ أنهم قضوا بكون الحروف والكلمات قديمة. والكلام عند الأشعري معنى قائم بالنفس سوى العبارة. والعبارة دلالة عليه من الإنسان. فالمتكلم عنده من قام به الكلام. وعند المعتزلة من فعل الكلام غير أن العبارة تسمى كلاما : إما بالمجاز ، وإما باشتراك اللفظ.
قال : وإرادته واحدة قديمة ، أزلية ، متعلقة بجميع المرادات من أفعاله الخاصة وأفعال عباده ، من حيث أنها مخلوقة له ، لا من حيث إنها مكتسبة لهم. فمن هذا قال : أراد الجميع : خيرها ، وشرها ، ونفعها ، وضرها. وكما أراد وعلم ، أراد من العباد ما علم. وأمر القلم حتى كتب في اللوح المحفوظ ، فذلك حكمه وقضاؤه وقدره الذي لا يتغير ولا يتبدل. وخلاف المعلوم : مقدور الجنس ، محال الوقوع.
وتكليف ما لا يطاق جائز على مذهبه للعلة التي ذكرناها. ولأن الاستطاعة عنده عرض ، والعرض لا يبقى زمانين. ففي حال التكليف لا يكون المكلف قط قادرا ، لأن المكلف من يقدر على إحداث ما أمر به. فأما أن يجوز ذلك في حق من لا قدرة له أصلا على الفعل فمحال ، وإن وجد ذلك منصوصا عليه في كتابه.
قال : والعبد قادر على أفعاله إذ الإنسان يجد من نفسه تفرقة ضرورية بين حركات الرعدة والرعشة ، وبين حركات الاختيار والإرادة. والتفرقة راجعة إلى أن
__________________
ـ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً). فالقرآن الذي نتلوه كلام الله تعالى وهو متلو بألسنتنا على الحقيقة ، مكتوب في مصاحفنا ، محفوظ في صدورنا ومسموع بأسماعنا ، غير حال في شيء منها ، إذ هو من صفات ذاته ، غير بائن منه ، وهو كما أن الباري عزوجل معلوم بقلوبنا مذكور بألسنتنا مكتوب في كتبنا معبود في مساجدنا مسموع بأسماعنا غير حال في شيء منها. وأما قراءتنا وكتبنا وحفظنا فهي من اكتسابنا ، وأكسابنا مخلوق لا شك فيه. قال الله عزوجل ، : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وسمى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم تلاوة القرآن فعلا. (راجع الأسماء والصفات ص ٢٥٨).