أصحابه من اعتقد أن الإعجاز في القرآن من جهة صرف (١) الدواعي وهو المنع من المعارضة ، ومن جهة الإخبار عن الغيب.
وقال : الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار دون النص والتعيين (٢) ؛ إذ لو كان ثمّ
__________________
(١) زعم النظام أن إعجاز القرآن ، بالصرفة ، أي أن الله صرف العرب عن معارضته وسلب عقولهم وكان مقدورا لهم لكن عاقهم أمر خارجي. وقال المرتضى من الشيعة بل صرفهم بأن سلبهم العلوم التي يحتاج إليها في المعارضة فهذا الصرف خارق للعادة فصار كسائر المعجزات. وهذا قول فاسد بدليل قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ...) الآية ، فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ، ولو سلبوا القدرة لم تبق فائدة لاجتماعهم. هذا مع أن الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن فكيف يكون معجزا وليس فيه صفة إعجاز؟ بل المعجز هو الله تعالى حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله. ويلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التحدّي وخلو القرآن من الإعجاز وفي ذلك خرق لإجماع الأمة أن معجزة الرسول العظمى باقية. ولا معجزة له باقية على أنه لو كانوا صرفوا ، لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية مصروفين عما كان يعدل به في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم وعجيب الرصف لأنهم لم يتحدوا إليه ، ولم تلزمهم حجته ، فلما لم يوجد في كلام من قبله مثله علم أن القول بالصرفة ظاهر البطلان. (راجع الإتقان ٢ : ١١٨ وشرح المواقف ٢ : ٤٢١ وإعجاز القرآن بهامش الإتقان ١ : ٤٥).
(٢) اختلف في طريق ثبوت الإمامة ، من نصّ أو اختيار. فقال الجمهور الأعظم من أصحابنا ومن المعتزلة والخوارج والنجارية ، إن طريق ثبوتها الاختيار من الأمة باجتهاد أهل الاجتهاد منهم واختيارهم من يصلح لها. وكان جائزا ثبوتها بالنص ، غير أن النص لم يرد فيها على واحد بعينه فصارت الأمة فيها إلى الاختيار. وزعمت الإمامية والجارودية من الزيدية والراوندية من العباسية أن الإمامة طريقها النص من الله تعالى على لسان رسول اللهصلىاللهعليهوسلم على الإمام. ثم نص الإمام على الإمام بعده ، واختلف هؤلاء في علّة وجوب النص عليه فمنهم من بناه على أصله في إبطال الاجتهاد ، ومنهم من بناه على أصله في وجوب عصمة الإمام وزعم أن العصمة لا تعرف بالاجتهاد وإنما يعرف المعصوم بالنص. فأما البترية والجريرية من الزيدية فقد وافقوا الفريق الأول في الاختيار ، وإنما خالفوهم في تعيين الأولى بالإمامة. ودليل الجمهور أن النص على الإمام لو كان واجبا على الرسول صلىاللهعليهوسلم بيانه لبيّنه على وجه تعلمه الأمة علما ظاهرا لا يختلفون فيه ، لأن فرض الإمامة يعمّ الكافّة معرفته ، كمعرفة القبلة وإعداد الركعات ولو وجد النص منه هكذا لنقلته الأمة بالتواتر ولعلموا صحته بالضّرورة كما اضطروا إلى سائر ما تواتر الخبر فيه فلما كنا مع كثرة عددنا وزيادتنا على جميع فرق المدّعين للنص غير مضطرين إلى العلم بذلك علمنا أن النص على واحد بعينه للإمامة لم يتواتر النقل فيه وإنما روي فيه أخبار آحاد من جهة الروافض وليست لهم معرفة بشروط الأخبار ولا رواتهم ثقات ، وبإزائها أخبار أشهر منها في النص على غير من يدعون النص عليه وكل منها غير موجب للعلم وإذا لم يكن فيه ما يوجب العلم صارت المسألة اجتهادية وصح فيها الاختيار والاجتهاد. (راجع أصول الدين ص ٢٧٩).