فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث : مثل مالك (١) بن أنس ، ومقاتل (٢) بن سليمان. وسلكوا طريق السلامة فقالوا : نؤمن بما ورد به الكتاب والسنّة ، ولا نتعرض للتأويل بعد أن نعلم قطعا أن الله عزوجل لا يشبه شيئا من المخلوقات ، وأن كل ما تمثل في الوهم فإنه خالقه ومقدّره. وكانوا يحترزون عن التشبيه (٣) إلى غاية أن قالوا من حرك يده عند قراءة قوله تعالى : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (٤) أو أشار بإصبعيه عند روايته «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرّحمن» وجب قطع يده وقلع إصبعيه. وقالوا : إنما توقفنا في تفسير الآيات وتأويلها لأمرين :
أحدهما : المنع الوارد في التنزيل في قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٥) فنحن نحترز عن الزيغ.
__________________
ـ وسميت بذلك لأخذها بظاهر الكتاب والسنّة وإعراضها عن التأويل والرأي والقياس. وكان داود أول من جهر بهذا القول. قال ابن خلكان : قيل : كان يحضر مجلسه كل يوم أربع مائة صاحب طيلسان أخضر ، وقال ثعلب : كان عقل داود أكبر من علمه. له تصانيف أورد ابن النديم أسماءها في زهاء صفحتين. توفي في بغداد سنة ٢٧٠ ه / ٨٨٤ م. (راجع أنساب السمعاني ٣٧٧ وفهرست ابن النديم ١ : ٢١٦).
(١) هو أبو عبد الله. إمام دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنّة وإليه تنسب المالكية. توفي سنة ١٧٩ ه / ٧٩٥ م. (راجع الوفيات ١ : ٤٣٩ والديباج المذهب ص ١٧ ـ ٣٠).
(٢) هو أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي بالولاء الخراساني المروزي. أصله من بلخ. كان مشهورا بتفسير كتاب الله العزيز وله التفسير المشهور. أخذ الحديث عن مجاهد وعطاء وغيرهما من العلماء. قال الشافعي : الناس كلهم عيال على ثلاثة : على مقاتل بن سليمان في التفسير وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر ، وعلى أبي حنيفة في الفقه. توفي بالبصرة سنة ١٥٠ ه. (راجع ابن خلكان).
(٣) تعالى الله عن التشبيه ، فالتشبيه يتنافى مع الألوهية ، لأنه إذا كان له من خلقه شبيه وجب أن يجوز عليه من ذلك الوجه ما يجوز على شبيهه ، وإذا جاز ذلك عليه لم يستحق اسم الإله كما لا يستحقه خلفه الذي شبه به فيتبيّن أن اسم الإله والتشبيه لا يجتمعان كما أن اسم الإله ونفي الإبداع عنه لا يأتلفان. (راجع الأسماء والصفات ص ٩٧).
(٤) سورة ص : الآية ٧٥.
(٥) سورة آل عمران : الآية ٧.