الله تعالى ، وأنه أراد الكائنات كلها خيرها وشرها ، وخلق الموجودات كلها حسنها وقبيحها ، ونثبت للعبد فعلا بالقدرة الحادثة ويسمى ذلك : كسبا : والقدرة الحادثة مؤثرة في إثبات فائدة زائدة على كونه مفعولا مخلوقا للباري تعالى ، تلك الفائدة هي مورد التكليف ، والمورد هو المقابل بالثواب والعقاب.
* * *
واتفقوا على أن العقل يحسن ويقبح قبل الشرع ، وتجب معرفة الله تعالى بالعقل كما قالت المعتزلة ، إلا أنهم لم يثبتوا رعاية الصلاح والأصلح واللطف عقلا كما قالت المعتزلة وقالوا : الإيمان هو الإقرار باللسان فقط دون التصديق بالقلب ، ودون سائر الأعمال ، وفرقوا بين تسمية المؤمن مؤمنا فيما يرجع إلى أحكام الظاهر والتكليف ، وفيما يرجع إلى أحكام الآخرة والجزاء ، فالمنافق عندهم : مؤمن في الدنيا على الحقيقة ، مستحق للعقاب الأبدي في الآخرة.
وقالوا في الإمامة إنها تثبت بإجماع الأمة دون النص والتعيين كما قال أهل السنّة. إلا أنهم جوزوا عقد البيعة لإمامين في قطرين (١) ، وغرضهم إثبات إمامة معاوية في الشام باتفاق جماعة من أصحابه. وإثبات أمير المؤمنين عليّ بالمدينة والعراقين (٢) باتفاق جماعة من الصحابة. ورأوا تصويب معاوية فيما استبد به من
__________________
ـ وصرّح ابن الهيصم في كتاب المقالات بقيام الحوادث بذات الله تعالى فقال إنه إذا أمر أو نهى أو أراد شيئا كان أمره ونهيه وإرادته كائنة بعد أن لم تكن وهي قائمة به ، لأن قوله منه يسمع وكذلك إرادته منه توجد. قال : وليس قيام الحوادث بذاته دليلا على حدوثه وإنما يدل على الحدوث تعاقب الأضداد التي لا يصلح أن يتعطّل منها. والباري تعالى لا تتعاقب عليه الأضداد. (راجع ابن أبي الحديد ١ : ٢٩٧).
(١) خاض ابن كرام في باب الإمامة فأجاز كون إمامين في وقت واحد ، مع وقوع الجدال وتعاطي القتال ، ومع الاختلاف في الأحكام ، وأشار في بعض كتبه إلى أن عليا ومعاوية كانا إمامين في وقت واحد ، ووجب على أتباع كل واحد منهما طاعة صاحبه وإن كان أحدهما عادلا والآخر باغيا. وقال أتباعه : إن عليا كان إماما على وفق السنّة ، وكان معاوية ، إماما على خلاف السنّة وكانت طاعة كل واحد منهما واجبة على أتباعه ، فيا عجبا من طاعة واجبة على خلاف السنّة. (راجع الفرق بين الفرق ص ٢٢٣ والتبصير ص ٢١١).
(٢) العراقان : البصرة والكوفة ، ويقال لهما البصرتان.