والوجه : صفات ، قديمة ، قائمة بذاته ، وقالوا : له يد لا كالأيدي ، ووجه لا كالوجوه (١) ، وأثبتوا جواز رؤيته من جهة فوق دون سائر الجهات.
وزعم ابن الهيصم أن الذي أطلقه المشبهة على الله عزوجل من : الهيئة ، والصورة ، والجوف ، والاستدارة ، والوفرة ، والمصافحة ، والمعانقة ، ونحو ذلك لا يشبه سائر ما أطلقه الكرامية من : أنه خلق آدم بيده ، وأنه استوى على عرشه ، وأنه يجيء يوم القيامة لمحاسبة الخلق ، وذلك أنا لا نعتقد من ذلك شيئا على معنى فاسد : من جارحتين وعضوين ؛ تفسيرا لليدين ، ولا مطابقة للمكان واستقلال العرش بالرحمن تفسيرا للاستواء ، ولا ترددا في الأماكن التي تحيط به تفسيرا للمجيء ، وإنما ذهبنا في ذلك إلى إطلاق ما أطلقه القرآن فقط من غير تكييف وتشبيه ، وما لم يرد به القرآن والخبر فلا نطلقه كما أطلقه سائر المشبهة والمجسمة.
وقال الباري تعالى عالم في الأزل بما سيكون على الوجه الذي يكون ، وشاء لتنفيذ علمه في معلوماته فلا ينقلب علمه جهلا. ومريد لما يخلق في الوقت الذي يخلق بإرادة حادثة. وقائل لكل ما يحدث بقوله كن حتى يحدث ، وهو الفرق بين الإحداث والمحدث والخلق والمخلوق (٢). وقال : نحن نثبت القدر خيره وشره من
__________________
(١) قال ابن أبي الحديد في أول صفحة ٢٩٥ : «أطلقت الكرامية عليه سبحانه لفظ اليدين والوجه وقالوا لا نتجاوز الإطلاق ولا نفسّر ذلك ولا نتأوله وإنما نقتصر على إطلاق ما ورد به النص. وأثبت الأشعري اليدين صفة قائمة بالباري سبحانه وكذلك الوجه من غير تجسيم. وقالت المجسمة أن لله تعالى يدين هما عضوان له وكذلك الوجه والعين وأثبتوا له رجلين قد فصلتا عن عرشه وساقين يكشف عنهما يوم القيامة وقدما يضعها في جهنّم فتمتلئ.
وأثبتوا ذلك معنى لا لفظا وحقيقة لا مجازا. فأما أحمد بن حنبل فلم يثبت عنه تشبيه ولا تجسيم أصلا ، وإنما كان يقول بترك التأويل فقط ، ويطلق ما أطلقه الكتاب والسنّة ، ولا يخوض في تأويله ، ويقف على قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) وأكثر المحصلين من أصحابه على هذا القول».
(٢) ذهبت الكرامية إلى أن الحوادث تحل في ذاته فإذا أحدث جسما أحدث معنى حالا في ذاته وهو الأحداث. فحدث ذلك الجسم مقارنا لذلك المعنى أو عقيبه. قالوا : وذلك المعنى هو قول كن وهو المسمى خلقا. والخلق غير المخلوق. قال الله تعالى : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) قالوا : لكنه قد أشهدنا ذواتها تدل على أن خلقها غيرها. ـ