التابوت لبني إسرائيل ، وكان إذا حارب خصومه يضعه في براح الصف ويقول : قاتلوا ولكم الظفر والنصرة ، وهذا الكرسي محله فيكم محل التابوت في بني إسرائيل ، وفيه السكينة والبقية، والملائكة من فوقكم ينزلون مددا لكم ، وحديث الحمامات البيض التي ظهرت في الهواء ، وقد أخبرهم قبل ذلك بأن الملائكة تنزل على صورة الحمامات البيض ، معروف. والإسجاع (١) التي ألفها أبرد تأليف مشهورة.
وإنما حمله على الانتساب إلى محمد بن الحنفية حسن اعتقاد الناس فيه ، وامتلاء القلوب بمحبته ، والسيد محمد بن الحنفية ، كان كثير العلم غزير المعرفة ، وقّاد الفكر ، مصيب الخاطر في العواقب ، قد أخبره أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه عن أحوال الملاحم وأطلعه على مدارج المعالم ، وقد اختار العزلة ، فآثر الخمول على الشهرة ، وقد قيل إنه كان مستودعا علم الإمامة حتى سلم الأمانة إلى أهلها ، وما فارق الدنيا إلا وقد أقرها في مستقرها.
وكان السيد (٢) الحميريّ ، وكثيّر (٣) عزة الشاعر من شيعته. قال كثير فيه :
__________________
(١) تحدث ابن الأثير (٤ : ٧٣ و ١٠٨) عن هذه الإسجاع فقال : «خرج المختار وأصحابه معهم الكرسي يحملونه على بغل أشهب وهم يدعون الله بالنصر ، فلما رآهم المختار قال : أما وربّ المرسلات عرفا ، لتقتلن بعد صفا صفّا ، وبعد ألف قاسطين ألفا. ولما سجن كان يقول : أما وربّ البحار ، والنخل والأشجار ، والمهامة والقفار ، والملائكة الأبرار ، والمصطفين الأخيار ، لأقتلنّ كل جبّار ، بكل لون خطّار ، ومهنّد بتّار ، بجموع الأنصار ، ليس بمثل أغمار ، ولا بغرار أشرار ، حتى إذا أقمت عمود الدين ، وزايلت شعب صدع المسلمين ، وشفيت غليل صدور المؤمنين ، وأدركت ثأر النبيّين ، لم يكبر عليّ زوال الدنيا ولم أحفل بالموت إذا أتى».
(٢) السيد الحميري : هو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري. أبو هاشم أو أبو عامر. شاعر إمامي متقدم. كان أبو عبيدة يقول : أشعر المحدثين السيد الحميري وبشّار. كان يتعصّب لبني هاشم وأكثر شعره في مدحهم. توفي سنة ١٧٣ ه / ٧٨٩ م. (راجع الأغاني تحقيق عبد الأمير علي مهناط دار الكتب العلمية ٧ : ٢٤٨).
(٣) هو أبو صخر عبد الرحمن الخزاعي الشاعر المشهور أحد عشّاق العرب ، وهو صاحب عزّة بنت حميل. توفي سنة ١٠٥ ه. (راجع الأغاني تحقيق عبد الأمير علي مهنا ٩ : ٥).