والبداء في الإرادة ، وهو أن يظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم.
والبداء في الأمر ، وهو أن يأمر بشيء ، ثم يأمر بشيء آخر بعده بخلاف ذلك ؛ ومن لم يجوّز النسخ ظن أن الأوامر المختلفة في الأوقات المختلفة متناسخة.
وإنما صار المختار إلى اختيار القول بالبداء ، لأنه كان يدعي علم ما يحدث من الأحوال إما بوحي يوحى إليه ، وإما برسالة من قبل الإمام. فكان إذا وعد أصحابه بكون شيء وحدوث حادثة ، فإن وافق كونه قوله ، جعله دليلا على صدق دعواه ، وإن لم يوافق قال : قد بدا لربكم.
وكان لا يفرق بين النسخ والبداء ، قال : إذا جاز النسخ في الأحكام ، جاز البداء في الأخبار.
وقد قيل : إن السيد محمد بن الحنفية تبرأ من المختار حين وصل إليه أنه قد لبس على الناس أنه من دعاته ورجاله ، وتبرأ من الضلالات التي ابتدعها المختار من التأويلات الفاسدة ، والمخاريق المموّهة.
فمن مخاريقه : أنه كان عنده كرسي (١) قديم قد غشاه بالديباج ، وزينه بأنواع الزينة وقال : هذا من ذخائر أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه ، وهو عندنا بمنزلة
__________________
(١) قال ابن الأثير (٤ : ١٠٠) في قصة الكرسي هذه : «قال الطفيل بن جعدة : أضقنا إضاقة شديدة فخرجت يوما فإذا جار لي زيات عنده كرسي ركبه الوسخ فقلت في نفسي : لو قلت للمختار في هذا شيئا. فأخذته من الزيات وغسلته فخرج عود نضار قد شرب الدهن وهو أبيض ، فقلت للمختار : إني كنت أكتمك شيئا وقد بدا لي أن أذكره لك. إن أبي جعدة كان يجلس على كرسي عندنا ويروي أن فيه أثرا من عليّ. قال : سبحان الله ، أخّرته إلى هذا الوقت؟ ابعث به. فأحضرته عنده وقد غشي فأمر لي باثني عشر ألفا. ثم دعا الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فقال المختار إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلّا وهو كائن في هذه الأمة مثله ، وإن كان في بني إسرائيل التابوت وإن هذا فينا مثل التابوت فكشفوا عنه وقامت السبئية فكبروا ثم لم يلبثوا أن أرسل المختار الجند لقتال ابن زياد وخرج بالكرسي على بغل وقد غشي فقتل أهل الشام مقتلة عظيمة فزادهم ذلك فتنة وقد قال أعشى همدان :
شهدت عليكم إنكم سبئية |
|
وإني بكم يا شرطة الشرك عارف |
فأقسم ما كرسيّكم بسكينة |
|
وإن كان قد لفّت عليه اللفائف» |