إذا سمعنا الأخبار الواردة في حقه ، وكونه من العشرة (١) المبشرين بالجنة ، قلنا يجب أن نحكم بصحة إسلامه وإيمانه وكونه من أهل الجنة. وإذا رأينا الأحداث التي أحدثها من استهتاره بتربية بني أمية وبني مروان ، واستبداده بأمور لم توافق سيرة الصحابة ، قلنا يجب أن نحكم بكفره. فتحيرنا في أمره وتوقفنا في حاله ، ووكلناه إلى أحكم الحاكمين.
وأما عليّ فهو أفضل الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأولاهم بالإمامة ، لكنه سلم الأمر لهم راضيا ، وفوض الأمر إليهم طائعا وترك حقه راغبا ، فنحن راضون بما رضي ، مسلمون لما سلم ، لا يحل لنا غير ذلك.
ولو لم يرض عليّ بذلك لكان أبو بكر هالكا. وهم الذين جوزوا إمامة المفضول وتأخير الفاضل والأفضل إذا كان الفاضل راضيا بذلك.
وقالوا : من شهر سيفه من أولاد الحسن والحسين رضي الله عنهما ، وكان عالما ، زاهدا شجاعا ، فهو الإمام. وشرط بعضهم صباحة الوجه ، ولهم خبط عظيم في إمامين (٢) وجدت فيهما هذه الشرائط ، وشهرا سيفيهما ، ينظر إلى الأفضل والأزهد ، وإن تساويا ينظر إلى الأمتن رأيا والأحزم أمرا ، وإن تساويا تقابلا فينقلب الأمر عليهم كلا ويعود الطلب جذعا (٣) ، والإمام مأموما ، والأمير مأمورا ، ولو كانا في
__________________
(١) العشرة المبشرون بالجنّة هم : أبو بكر الصديق ، عمر بن الخطاب ، عثمان بن عفان ، علي بن أبي طالب ، طلحة بن عبيد الله ، الزبير بن العوّام ، عبد الرحمن بن عوف ، سعد بن أبي وقاص ، سعيد بن زيد ، أبو عبيدة بن الجراح.
(٢) جاء في أصول الدين ص ٢٧٤ : «اختلف الموجبون للإمامة في عدد الأئمة في كل وقت. فقال أصحابنا لا يجوز أن يكون في الوقت الواحد إمامان واجبي الطاعة وإنما تنعقد إمامة واحد في الوقت ويكون الباقون تحت رايته وإن خرجوا عليه من غير سبب يوجب عزله فهم بغاة إلّا أن يكون بين البلدين بحر مانع من وصول نصرة أهل واحد منهما إلى الآخرين فيجوز حينئذ لأهل كل واحد منهما عقد الإمامة لواحد من أهل ناحيته. وقالت الرافضة لا يجوز أن يكون في الوقت الواحد إمامان ناطقان ويصحّ أن يكون في الوقت إمامان أحدهما ناطق والآخر صامت وزعموا أن الحسين بن علي كان صامتا في وقت الحسن ثم نطق بعد موته. وزعم قوم من الكرامية أنه يجوز أن يكون في وقت واحد إمامان وأكثر ...».
(٣) عاد الطلب جذعا : إذا أخذ فيه حديثا لا قديما.