على فراغ قلب من أمر الأمة ، فإنه إنما بعث لرفع الخلاف ، وتقرير الوفاق ، فلا يجوز أن يفارق الأمة ويتركهم هملا (١) يرى كل واحد منهم رأيا ، ويسلك كل واحد منهم طريقا لا يوافقه في ذلك غيره ، بل يجب أن يعين شخصا هو الرجوع إليه ، وينص على واحد هو الموثوق به والمعول عليه. وقد عين عليا رضي الله عنه في مواضع تعريضا ، وفي مواضع تصريحا.
أما تعريضاته فمثل أن بعث أبا بكر ليقرأ سورة براءة على الناس في المشهد ، وبعث بعده عليا ليكون هو القارئ عليهم ، والمبلغ عنه إليهم ، وقال : نزل عليّ جبريل عليهالسلام فقال يبلّغه رجل منك ، أو قال من قومك ، وهو يدل على تقديمه عليا عليه ومثل أن كان يؤمّر على أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة في البعوث ، وقد أمر عليهما عمرو بن العاص في بعث ، وأسامة (٢) بن زيد في بعث ، وما أمر على عليّ أحدا قط.
وأما تصريحاته فمثل ما جرى في نأنأة (٣) الإسلام حين قال : من الذي يبايعني على ماله؟ فبايعته جماعة. ثمّ قال : من الّذي يبايعني على روحه وهو وصي ووليّ هذا الأمر من بعدي؟ فلم يبايعه أحد حتّى مدّ أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه يده إليه فبايعه على روحه ووفّى بذلك ، حتى كانت قريش تعير أبا طالب أنه أمرّ عليك ابنك. ومثل ما جرى في كمال الإسلام وانتظام الحال حين نزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٤) فلما وصل غدير خم أمر بالدوحات فقممن (٥) ، ونادوا : الصلاة جامعة ، ثم قال عليه
__________________
(١) هملا : أي من دون راع يرعاهم.
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) النأنأة : العجز والضعف. وروى عكرمة عن أبي بكر الصديق (رض) أنه قال : طوبى لمن مات في النأنأة مهموزة بمعنى أول الإسلام قبل أن يقوى ويكثر أهله وناصروه والداخلون فيه.
(٤) سورة المائدة : الآية ٦٧.
(٥) قممن : أزلن.