الصادق ، وهو ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات.
وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم. ثم دخل العراق وأقام بها مدة. ما تعرض للإمامة قط ، ولا نازع أحدا في الخلافة قط. ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شطّ ، ومن تعلى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط. وقيل : من أنس بالله توحش عن الناس ، ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس.
وهو من جانب الأب ينتسب إلى شجرة النبوة ، ومن جانب الأم ينتسب إلى أبي بكر (١) الصديق رضي الله عنه. وقد تبرأ عما كان ينسب إليه بعض الغلاة وبرئ منهم ولعنهم. وبرئ من خصائص مذاهب الرافضة وحماقاتهم من القول بالغيبة والرجعة ، والبداء ، والتناسخ ، والحلول والتشبيه. لكن الشيعة بعده افترقوا وانتحل كل واحد منهم مذهبا ، وأراد أن يروّجه على أصحابه فنسبه إليه وربطه به ، والسيد برئ من ذلك ومن الاعتزال ، والقدر أيضا.
هذا قوله في الإرادة «إن الله تعالى أراد بنا شيئا وأراد منا شيئا. فما أراده بنا طواه عنا ، وما أراده منا أظهره لنا. فما بالنا نشتغل بما أراده بنا عما أراده منا؟».
__________________
ـ المدينة ويقول : يا باقر ، يا باقر ، متى ألقاك؟ فمرّ يوما في بعض سكك المدينة فناولته جارية صبيا كان في حجرها فقال لها : من هذا؟ فقالت : هذا محمد بن علي بن الحسين بن علي ، فضمه إلى صدره وقبّل رأسه ويديه ثم قال : يا بنيّ جدّك رسول الله يقرئك السلام. ثم قال جابر : قد نعيت إلى نفسي فمات في تلك الليلة.
وحجتهم في هذا أن رسول الله بعث يقرئ عليهالسلام. فدلّ على أنه المهدي المنتظر».
(١) أمّه أم فروة وقيل أم القاسم واسمها قريبة أو فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر. وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر وهذا معنى قول الصادق إن أبا بكر ولدني مرّتين وفي ذلك يقول الشريف الرضي :
وحزنا عتيقا وهو غاية فخركم |
|
بمولد بنت القاسم بن محمد |
(راجع أعيان الشيعة ٤ : ٥٤٢).