الإمام محمد ، وبعد ذلك ادعى النبوة لنفسه ، واستحل المحارم ، وغلا في حق عليّ رضي الله عنه غلوا لا يعتقده عاقل ، وزاد على ذلك قوله بالتشبيه فقال : إن الله تعالى صورة وجسم ذو أعضاء على مثال حروف الهجاء (١) ، وصورته صورة رجل من نور على رأسه تاج من نور ، وله قلب تنبع منه الحكمة ، وزعم أن الله تعالى لما أراد خلق العالم تكلم بالاسم الأعظم ، فطار فوقع على رأسه تاجا. قال : وذلك قوله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (٢).
ثم اطلع على أعمال العباد وقد كتبها على كفه ، فغضب من المعاصي فعرق ، فاجتمع من عرقه بحران : أحدهما مالح ، والآخر عذب ، والمالح مظلم ، والعذب نير ، ثم اطلع في البحر النير فأبصر ظله ، فانتزع عين ظله فخلق منها الشمس والقمر ، وأفنى باقي ظله وقال : لا ينبغي أن يكون معي إله غيري. قال : ثم خلق الخلق كله من البحرين فخلق المؤمنون من البحر النير ، وخلق الكفار من البحر المظلم ، وخلق ظلال الناس أول ما خلق ، وأول ما خلق هو ظل محمد عليه الصلاة والسلام وظل عليّ قبل خلق ظلال الكل ، ثم عرض على السموات والأرض والجبال أن يحملن الأمانة (٣) ، وهي أن يمنعن عليّ بن أبي طالب من الإمامة ، فأبين ذلك.
ثم عرض ذلك على الناس ، فأمر عمر بن الخطاب أبا بكر أن يتحمل منعه من ذلك ، وضمن له أن يعينه على الغدر به شرط أن يجعل الخلافة له من بعده ، فقبل منه وأقدما على المنع متظاهرين ، فذلك قوله تعالى : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ
__________________
(١) فالألف منها مثال قدميه ، والعين على صورة عينه ، وشبّه الهاء بالفرج. (الفرق بين الفرق ص ٢٣٩).
(٢) سورة الأعلى : الآية ١.
(٣) قال ابن عباس : أراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها على عباده. عرضها على السموات والأرض والجبال على أنهم إذا أدّوها أثابهم وإن ضيّعوها عذّبهم.
وقال ابن مسعود : الأمانة أداء الصلوات وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وصدق الحديث وقضاء الدّين والعدل وأشدّ من هذا كلّه الودائع .. (لباب التأويل ٥ : ٢٢٩).