ولما وقفوا على بدعته تبرءوا منه ولعنوه وأمروا شيعتهم بمنابذته وترك مخالطته. ولما عرف الكيال ذلك منهم صرف الدعوة إلى نفسه ، وادعى الإمامة أولا ، ثم ادعى أنه القائم ثانيا.
وكان من مذهبه أن كل من قدر الآفاق على الأنفس ، وأمكنه أن يبين مناهج العالمين ؛ أعني عالم الآفاق وهو العالم العلوي ، وعالم الأنفس ؛ وهو العالم السفلي ، كان هو الإمام ، وأن كل من قرر الكل في ذاته ، وأمكنه أن يبين كل كلي في شخصه المعين الجزئي ، كان هو القائم ، قال : ولم يوجد في زمن من الأزمان أحد يقرر هذا التقرير إلا أحمد الكيال ، فكان هو القائم.
وإنما قتله من انتمى إليه أولا على بدعته ذلك أنه هو الإمام ، ثم القائم ، وبقيت من مقالته في العالم تصانيف عربية وعجمية ، كلها مزخرفة مردودة شرعا وعقلا.
قال الكيال : العوالم ثلاثة : العالم الأعلى ، والعالم الأدنى ، والعالم الإنساني.
وأثبت في العالم الأعلى خمسة أماكن : الأول : مكان الأماكن وهو مكان فارغ لا يسكنه موجود ، ولا يدبره روحاني ، وهو محيط بالكل. قال : والعرش الوارد في الشرع عبارة عنه ، ودونه : مكان النفس الأعلى ، ودونه : مكان النفس الناطقة ، ودونه : مكان النفس الإنسانية.
قال : وأرادت النفس الإنسانية الصعود إلى عالم النفس الأعلى ، فصعدت وخرقت المكانين : أعني الحيوانية ، والناطقة. فلما قربت من الوصول إلى عالم النفس الأعلى : كلّت وانحسرت ، وتحيرت وتعفنت ، واستحالت أجزاؤها فأهبطت إلى العالم السفلي. ومضت عليها أكوار (١) وأدوار (٢) ، وهي في تلك الحالة من
__________________
(١) الأكوار جمع كور مأخوذ من تكوير الليل والنهار أن يلحق أحدهما الآخر ، أو يدخل أحدهما على الآخر ، والمعنى تعاقب الأيام والليالي. (راجع اللسان).
(٢) أدوار ، الفصيح أطوار. والله يقول : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً). معناه ضروبا وأحوالا مختلفة. (راجع اللسان).