الذي يثبته إلا وأن يقتسما الصدق والكذب. والحق والباطل ، سواء كان الاختلاف بين أهل الأصول في الإسلام ، أو بين أهل الإسلام وبين أهل الملل والنحل الخارجة عن الإسلام فإن المختلف فيه لا يحتمل توارد الصدق والكذب ، والصواب والخطأ عليه في حالة واحدة ، وهو مثل قول أحد المخبّرين : زيد في هذه الدار في هذه الساعة ، وقول الثاني : ليس زيد في هذه الدار في هذه الساعة ، فإنا نعلم قطعا أن أحد المخبّرين صادق ، والآخر كاذب ، لأن المخبر عنه لا يحتمل اجتماع الحالتين فيه معا ، فيكون زيد في الدار ، ولا يكون في الدار.
لعمري! قد يختلف المختلفان في حكم عقلي في مسألة ، ويكون محل الاختلاف مشتركا وشرط تقابل القضيتين نافذا ، فحينئذ يمكن أن يصوب المتنازعان ، ويرتفع النزاع بينهما برفع الاشتراك أو يعود النزاع إلى أحد الطرفين.
مثال ذلك : المختلفان في مسألة الكلام ليسا يتواردان على معنى واحد بالنفي والإثبات فإن الذي قال : هو مخلوق ، أراد به أن الكلام هو الحروف والأصوات في اللسان ، والرقوم والكلمات في الكتابة ، قال : وهذا مخلوق ، والذي قال : ليس بمخلوق ، لم يرد به الحروف والرقوم ، وإنما أراد به معنى آخر ؛ فلم يتواردا بالتنازع في الخلق على معنى واحد.
وكذلك في مسألة الرؤية ، فإن النافي قال : الرؤية إنما هي اتصال شعاع بالمرئي ، وهو لا يجوز في حق الباري تعالى ، والمثبت قال : الرؤية إدراك أو علم مخصوص ، ويجوز تعلقه بالباري تعالى ، فلم يتوارد النفي والإثبات على معنى واحد إلا إذا رجع الكلام إلى إثبات حقيقة الرؤية فيتفقان أولا على أنها ما هي؟ ثم يتكلمان نفيا وإثباتا.
وكذلك في مسألة الكلام يرجعان إلى إثبات ماهية الكلام ، ثم يتكلمان نفيا وإثباتا ، وإلا فيمكن أن تصدق القضيتان.