ومسائلهم تدور على جواز النسخ ومنعه. وعلى التشبيه ونفيه ، والقول بالقدر ، والجبر وتجويز الرجعة ، واستحالتها.
أما النسخ فكما ذكرنا.
وأما التشبيه فلأنهم وجدوا التوراة ملئت من المتشابهات مثل الصورة ، والمشافهة ؛ والتكليم جهرا ، والنزول على طور سينا انتقالا ، والاستواء على العرش استقرارا ، وجواز الرؤية فوقا وغير ذلك.
وأما القول بالقدر فهم مختلفون فيه حسب اختلاف الفريقين في الإسلام. فالربانيون (١) منهم كالمعتزلة فينا ، والقراءون (٢) كالمجبرة والمشبهة.
وأما جواز الرجعة فإنما وقع لهم من أمرين : أحدهما : حديث عزير عليهالسلام إذ أماته الله مائة عام ثم بعثه. والثاني : حديث هارون عليهالسلام ، إذ مات في التيه. وقد نسبوا موسى إلى قتله (٣) بألواحه ، قالوا : حسده ، لأن اليهود كانوا أميل (٤) إليه منهم
__________________
(١) الربانيون ويقال لهم بنو مشتو ومعنى مشتو (الثاني) لأنهم يعتبرون أمر البيت الذي بني ثانيا بعد عودهم من الجلاية وخرّبه طيطش ، وينزلونه في الاحترام والإكرام والتعظيم منزلة البيت الأول الذي ابتدأ عمارته داود وأتمّه ابنه سليمان عليهماالسلام وخرّبه بختنصر فصار كأنه يقول لهم أصحاب الدعوة الثانية. وهذه الفرقة بعيدة عن العمل بالنصوص الإلهية ، ومن مذهبهم القول بما في التوراة على معنى ما فسّره الحكماء من أسلافهم. (راجع المقريزي ٤ : ٣٦٨).
(٢) القراءون ، وهم بنو مقرا. ومعنى مقرا : الدعوة وهم لا يعولون على البيت الثاني جملة ودعوتهم إنما هي لما كان عليه العمل مدة البيت الأول وكاد يقال لهم أصحاب الدعوة الأولى ، وهم يحكمون نصوص التوراة ولا يلتفتون إلى قول من خالفها ويقفون مع النص دون تقليد من سلف وهم مع الربانيين من العداوة بحيث لا يتناكحون ولا يتجاورون ولا يدخل بعضهم كنيسة بعض. ويقال للقراءين أيضا المبادية لأنهم كانوا يعملون مبادي الشهور من الاجتماع الكائن بين الشمس والقمر ويقال لها أيضا الأسمعيّة ، لأنهم يراعون العمل بنصوص التوراة دون العمل بالقياس والتقليد. (راجع المقريزي ٤ : ٣٦٩).
(٣) في المعجم ٦ : ٧٠ والتأويل ٢ : ٤٨ : «أصعد هارون إلى جبل عال مشرف ، في قبلي البيت المقدس مع أخيه موسى عليهماالسلام فلم يعد فاتهمت بنو إسرائيل موسى بقتله ، فدعا الله حتى أراهم تابوته بين الفضاء على رأس ذلك الجبل ثم غاب عنهم كذا يقول اليهود فسمي الجبل طور هارون لذلك ...».
(٤) كان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين وأحب إلى بني إسرائيل من موسى لأنه كان لين الغضب. (القرطبي ٧ : ٢٨٩).