عن جماعة من الموشكانية أنهم أثبتوا نبوة المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام إلى العرب وسائر الناس سوى اليهود ، لأنهم أهل ملة وكتاب.
وزعمت فرقة من المقاربة أن الله تعالى خاطف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بواسطة ملك اختاره ، وقدمه على جميع الخلائق واستخلفه عليهم. وقالوا : كل ما في التوراة وسائر الكتب من وصف الله تعالى ، فهو خبر عن ذلك الملك. وإلا فلا يجوز أن يوصف الله تعالى بوصف.
قالوا : وإن الذي كلم موسى عليهالسلام تكليما هو ذلك الملك والشجرة المذكورة في التوراة هو ذلك الملك. ويتعالى الرب تعالى عن أن يكلم بشرا تكليما. وحمل جميع ما ورد في التوراة من طلب الرؤية : وشافهت الله ، وجاء الله ، وطلع الله في السحاب ، وكتب التوراة بيده ، واستوى على العرش استقرارا ، وله صورة آدم ، وشعر قطط (١) ، ووفرة سوداء ، وأنه بكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه ، وأنه ضحك الجبار حتى بدت نواجذه ، إلى غير ذلك ، على ذلك الملك. قال : ويجوز في العادة أن يبعث ملكا روحانيا من جملة خواصه ، ويلقي عليه اسمه ، ويقول : هذا هو رسولي ، ومكانه فيكم مكاني ، وقوله قولي ، وأمره أمري ، وظهوره عليكم ظهوري كذلك يكون حال ذلك الملك.
وقيل : إن أرنوس حيث قال في المسيح إنه هو الله ، وإنه صفوة العالم ، أخذ قوله من هؤلاء. وكانوا قبل أرنوس بأربعمائة سنة ، وهم أصحاب زهد وتقشف.
وقيل صاحب هذه المقالة هو : بنيامين النهاوندي ، قرر لهم هذا المذهب وأعلمهم أن الآيات المتشابهات في التوراة كلها مؤولة. وأنه تعالى لا يوصف بأوصاف البشر ، ولا يشبه شيئا من المخلوقات ، ولا يشبهه شيء منها ، وأن المراد بهذه الكلمات الواردة في التوراة ذلك الملك المعظم.
__________________
(١) شعر قطط : قصير فيه جعودة.