هذا. ومن جادل نوحا ، وهودا ، وصالحا ، وإبراهيم ، ولوطا ، وشعيبا ، وموسى ، وعيسى ، ومحمدا ؛ صلوات الله عليهم أجمعين ، كلّهم نسجوا على منوال اللعين الأول في إظهار شبهاته ، وحاصلها يرجع إلى دفع التكليف عن أنفسهم ، وجحد أصحاب الشرائع والتكاليف بأسرهم ، إذ لا فرق بين قولهم : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) (١) وبين قوله : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (٢) وعن هذا صار مفصل الخلاف ، ومحزّ الافتراق ما هو في قوله تعالى: (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) (٣) ، فبيّن أن المانع من الإيمان هو هذا المعنى ، كما قال المتقدّم في الأول : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٤) ، وقال المتأخر من ذرّيته كما قال المتقدّم : (أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ) (٥) ، وكذلك لو تعقّبنا أقوال المتقدمين منهم وجدناها مطابقة لأقوال المتأخّرين : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) (٦) ، (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) (٧).
فاللعين الأول لما حكم العقل على من لا يحكم عليه العقل ، لزمه أن يجري حكم الخالق في الخلق ، أو حكم الخلق في الخالق ، والأول غلوّ ، والثاني تقصير.
فثار من الشبهة الأولى مذاهب : الحلولية (٨) ، .........................
__________________
(١) سورة التغابن : الآية ٦ ، وتمامها : (ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
(٢) سورة الإسراء : الآية ٦٠.
(٣) سورة الإسراء : الآية ٩٤.
(٤) سورة الأعراف : الآية ١١.
(٥) سورة الزخرف : الآية ٥٢.
(٦) سورة البقرة : الآية ١١٨.
(٧) سورة يونس : الآية ٧٤.
(٨) الحلولية في الجملة عشر فرق كلّها كانت في دولة الإسلام ، وغرض جميعها القصد إلى إفساد القول بتوحيد الصانع. (راجع الفرق بين الفرق ص ٢٥٤).