والتناسخية (١) ، والمشبهة (٢) ، والغلاة من الروافض ، حيث غلوا في حق شخص من الأشخاص حتى وصفوه بأوصاف الإله.
وثار من الشبهة الثانية مذاهب : القدرية ، والجبرية ، والمجسمة ، حيث قصروا في وصفه تعالى حتى وصفوه بصفات المخلوقين.
فالمعتزلة مشبهة الأفعال ، والمشبهة حلولية الصفات ، وكل واحد منهم أعور بأي عينيه شاء ، فإن من قال : إنما يحسن منه ما يحسن منا ، ويقبح منه ما يقبح منا ، فقد شبّه الخالق بالخلق ؛ ومن قال : يوصف الباري تعالى بما يوصف به الخلق ، أو يوصف الخلق بما يوصف به الباري تعالى فقد اعتزل عن الحق ، وسنخ (٣) القدريّة طلب العلة في كل شيء ، وذاك من سنخ اللعين الأول ؛ إذ طلب العلة في الخلق أولا ، والحكمة في التكليف ثانيا ، والفائدة في تكليف السجود لآدم عليهالسلام ثالثا ، وعنه نشأ مذهب الخوارج ، إذ لا فرق بين قولهم : لا حكم إلّا لله ولا نحكم الرجال ، وبين قوله : لا أسجد إلّا لك ، (لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٤). وبالجملة «كلا طرفي قصد الأمور ذميم» ، فالمعتزلة غلوا في التوحيد بزعمهم حتى وصلوا إلى التعطيل بنفي الصفات ، والمشبهة : قصروا حتى وصفوا الخالق بصفات الأجسام ، والروافض : غلوا في النبوة والإمامة حتى وصلوا إلى الحلول ، والخوارج : قصروا حتى نفوا تحكيم الرجال.
وأنت ترى إذا نظرت أنّ هذه الشبهات كلها ناشئة من شبهات اللعين الأول ، وتلك في الأول مصدرها ، وهذه في الآخرة مظهرها ، وإليه أشار التنزيل في قوله تعالى (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٥).
__________________
(١) هم الذين يعتقدون بتناسخ الأرواح في الأجساد ، والانتقال من شخص إلى شخص.
(٢) الذين يجعلون الله أعضاء ويقولون إنه جسد وله يد وعين.
(٣) السّنخ ، بالكسر : الأصل من كل شيء والجمع أسناخ وسنوخ.
(٤) تمام الآية : (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) سورة الحجر : الآية ٣٣.
(٥) سورة البقرة : الآية ١٦٨.