الناسوت واللاهوت معا ، وأطلقوا لفظ الأبوة والنبوة على الله عزوجل وعلى المسيح لما وجدوا في الإنجيل حيث قال : إنك أنت الابن الوحيد ، وحيث قال له شمعون الصفا : إنك ابن الله حقا.
ولعل ذلك من مجاز اللغة ، كما يقال لطلاب الدنيا أبناء الدنيا ، ولطلاب الآخرة أبناء الآخرة. وقد قال المسيح عليهالسلام للحواريين (١) : «أنا أقول لكم ، أحبوا أعداءكم وباركوا على لاعنيكم ، وأحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل من يؤذيكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء ، الذي تشرق شمسه على الصالحين والفجرة ، وينزل قطره على الأبرار والأئمة ، وتكونوا تامين كما أن أباكم الذي في السماء تام» وقال : «انظروا صدقاتكم فلا تعطوها قدام الناس لتراءوهم فلا يكون لكم أجر عند أبيكم الذي في السماء» وقال حين كان يصلب «أذهب إلى أبي وأبيكم».
ولما قال أريوس (٢) : القديم هو الله ، والمسيح هو مخلوق ، اجتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة في بلد قسطنطينية (٣) بمحضر من ملكهم ، وكانوا ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا ، واتفقوا على هذه الكلمة اعتقادا ودعوة ، وذلك قولهم :
«نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء ، وصانع ما يرى وما لا يرى ، وبالابن الواحد يسوع المسيح ، ابن الله الواحد ، بكر الخلائق كلها ، الذي ولد من أبيه قبل العوالم كلها ، وليس بمصنوع ، إله حق من إله حق ، من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم ، وخلق كل شيء من أجلنا ، ومن أجل معشر الناس ، ومن أجل خلاصنا ، نزل من السماء وتجسد من روح القدس وصار إنسانا ، وحبل به ، وولد من مريم البتول (٤) ،
__________________
(١) الحواريون : هم أصحاب عيسى عليهالسلام وكانوا اثني عشر رجلا واختلف في تسميتهم بذلك.
(٢) أريوس : هو أكبر تلاميذ مار بطرس بطريك الإسكندرية ومن كهنة الإسكندرية ومن خرّيجي المدرسة اللّاهوتية واسع الاطلاع غزير المادة في العلوم الدينية. (ابن خلدون ١ : ٣٢٠ وخلاصة تاريخ المسيحية بمصر ص ٨١).
(٣) قسطنطينيّة : ويقال قسنطينة بإسقاط ياء النسبة عمرها قسطنطين ملك الروم فسميت باسمه ثم صارت عاصمة الخلافة العثمانية قبل زوال الخلافة.
(٤) المنقطعة عن الرجال.