وزعم أكثر اليعقوبية أن المسيح جوهر واحد ، أقنوم واحد ؛ إلا أنه من جوهرين. وربما قالوا طبيعة واحدة من طبيعتين. فجوهر الإله القديم ؛ وجوهر الإنسان المحدث تركبا تركيبا كما تركبت النفس والبدن فصارا جوهرا واحدا ، أقنوما واحدا ، وهو إنسان كله وإله كله. فيقال : الإنسان صار إلها ، ولا ينعكس فلا يقال : الإله صار إنسانا. كالفحمة تطرح في النار فيقال : صارت الفحمة نارا ، ولا يقال صارت النار فحمة ، وهي في الحقيقة لا نار مطلقة ، ولا فحمة مطلقة ، بل هي جمرة. وزعموا أن الكلمة اتحدت بالإنسان الجزئي لا الكلي. وربما عبروا عن الاتحاد بالامتزاج والادراع (١) ، والحلول كحلول صورة الإنسان في المرآة المجلوة.
* * *
وأجمع أصحاب التثليث كلهم على أن القديم لا يجوز أن يتحد بالمحدث ، إلا أن الأقنوم الثاني الذي هو الكلمة اتحدت دون سائر الأقانيم.
وأجمعوا كلهم على أن المسيح عليهالسلام ولد من مريم عليهاالسلام ، وقتل وصلب.
ثم اختلفوا في كيفية ذلك. فقالت الملكانية واليعقوبية : إن الذي ولد من مريم هو الإله. فالملكانية لما اعتقدت أن المسيح ناسوت كلي أزلي ، قالوا : إن مريم إنسان جزئي. والجزئيّ لا يلد الكلي ، وإنما ولده الأقنوم القديم. واليعقوبية لما اعتقدت أن المسيح هو جوهر من جوهرين ، وهو إله ، وهو المولود ، قالوا : إن مريم ولدت إلها ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
وكذلك قالوا في القتل والصلب : إنه وقع على الجوهر الذي هو من جوهرين ، قالوا : ولو وقع على أحدهما لبطل الاتحاد.
وزعم بعضهم أنا نثبت وجهين للجوهر القديم : فالمسيح قديم من وجه ، محدث من وجه.
__________________
(١) مأخوذ من قولهم : أدرع فلان الليل ، دخل في ظلمته بمعنى أحاطت به.